ماذا يعني أن يخرُج المثقّف في غارالدّماءمن لامُبالاَته؟
يقول أحد المفكّرين، وهو محقّ تمامًا في ما يقول: "لَن يأتيَ التّغيير إذا انتظرنا شخصاً آخر أو وقتاً آخر. نحن التّغيير الذي نسعى إليه". المشكلة في مجتمعنا هي أنّ الجَميع ينتظر مخلّصًا مُلهَمًا من عالمٍ آخر، أو من أرضٍ أخرى يقوم بتغيير واقعنا إلى الأفضل، هذا المُخلّص الموهُوم يَشعر بمعاناتِنا، يَشعر بآلامنا، يدخل إلى بيوت فقرائِنا، إلى عائلات أيتَامنا، يطّلع على الوضع المُزري الذي تعيشه كثير من الأسر المَسحوقة، يمرّ عبر طرقاتَنا التي في أغلبها لا تُشبه الطّرق في شيء سِوى في الاسم، يَدخل إلى مدارسنا فيطّلع على الجُدران المُشوهة وزُجاج النّوافذ المهشّم، ويَشعر بالبَرد الذي يتسلّل إلى أجسام أطفالنا الغضّة...هذا المُخلص المُلهَم لن يأتي أبدًا لأنّه لا أحد بإمكانه أن يشعر بك إلاّ أنت ذاتك. فكن أنت المبادر وكن أنتَ من يَصنع التّغيير المأمول.
ما نقوله دائما هو ضرورة أن تخرج الفئة الواعية المثقّفة في منطقتنا من لامُبالاتها، أو لنقل من إحباطها من إمكانيّة إحداث أيّ تغيير في المجتمع وفي الثّقافة والاقتصاد والبنية التحتيّة والواقع بكل تجلّياته وأشكاله.
الأمل معقود في هذه النّخبة التي يزخر بها مجتعنا، هذه النّخبة التي تستطيع أن تُحدث التّغيير الحقيقي في الوعي وفي النّظر إلى الحياة، وفي إدراك الأشياء. ناشطة أمريكية تدعى سُونيَا جُونسون تقول كلامًا مهمًّا في هذا الصّدد: " شخصٌ واحد عاقد العَزم يُمكن أن يقوم بعمل تغيير كبيرٍ، ومجموعةٌ صغيرةٌ من الأشخاص عاقدي العزم يمكنُها أن تغيّر مسار التّاريخ". فبعض الأفكار تبدو كما لو أنّها أحلامٌ في وقت من الأوقات، وتبدو صعبة التّحقيق، لكن في الحقيقة جميع المشاريع العظيمة بدأت أحلامًا ثمّ تطوّرت لتُصبح واقعًا يراه النّاس ويلمسونه، ولذلك قال الشّاعر النّمساوي الكبير راينر ماريا ريلكه: " أنا لا أعيشُ في الأَحلام، بل في تأمّلات الوَاقع الذي رُبّما يَكون هو المُستقبل".
تأمّلاتنا الآن هي أن تصبح مِنطقتنا الجميلة، منطقة غارالدّماء، مصدرًا للإشعاع الثقافي والفكري على المستوى الجهوي والوطني والمغاربي. هذه أحلام مشروعةٌ إذا صدقت النّوايا واستفاقت الهمم، وشعُرت نخبنا المثقّفة والواعية بعمق مسؤوليتها تجاه المجتمع. ونحن بالتّأكيد متفائلون – رغم الصعوبات الواضحة- لأننا رأينا من أبناء الجِهة من هم حريصون على تحقيق مثل هذه الأهداف العظيمة، غايتهم الكُبرى خدمة موطنهم الصّغير غارالدّماء، ووطنهم الكبير تونس. وكما قالت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي: "الطّريقة الصّحيحة لفهم العالم هي في التمرّد على موقعنا الصّغير فيه، والجُرأة على تغيير مكاننا وتغيير وضعيّتنا".