مجتمع

التّدلال" (1) في الأذكار الصّوفية التّونسيّة على تخوم الجزائر
التّجلّي الصّوفي أنموذجاً

 

بقلم: د. منجي الأشعاب

  

لا يسعنا في هذا البحث سوى العودة إلى بعض النّظريات الدّلالية سواء منها العربية أو الغربيّة. وقد أخبرنا عبد القاهر الجرجاني ( توفي 471 هـ) في كتابه "دلائل الإعجاز" أنّ للخطاب معانيَ أول وأخرى ثواني ( دلائل الإعجاز، 1990 ص. 192 ). ونجد في كتاب سورل ( (Searle الحديث عن ثنائية المعنى الحرفي للجملة والقصد فيها. (سورل 1972، ص 57) والمقصود بـ "القصد" هو وجود معاني خفيّة للخطاب نفهمه من قصد المتكلّم. وهــو ما نجده بشكــل أدقّ في كتابات أوزوالد دكرو (Osweld Ducrot )  الذي يقول بتوفّر " الاقتضاء" و"الإضمار" في الخطاب( ديكرو 1980 ص 7).

 

أمّا الاقتضاء فهو المعنى الّذي نتبيّنه من الخطاب ذاته، وأمّا المضمر فهو المعنى الخفيّ. ففي جملة " تقع مدينة غار الدّماء في شمال البلاد التّونسية من الجهة الشّرقية للجزائر" الاقتضاء فيها يحيل على أنّ " غار الدماء" من مدن البلاد التّونسية لا غير، وهي المقصودة بالقول، في حين أنّ الإضمار يدلّ على أنّ "غار الدّماء" لمّا كانت تقع على ضفاف دولة الجزائر وتشترك مع مدنها في الجغرافيا والتاريخ والنّضال والخصوصيات فإنّها تبقى مدينة تونسيّة الانتماء وجزائرية التّاريخ والروح. معنى ذلك أنّ غارالدّماء جزائرية الروح تونسيّة الانتماء. ولمّا كان مبحثنا في علم الدّلالة فقد اخترنا بعض "الأذكار" الّتي تُذكر في "الزّوايا" وفي بعض " الزّرد"(2) في منطقة غارالدّماء والمناطق المتاخمة لها المنتشرة على الحدود الجزائريّة ومن هذه الأذكار (3):

 
  • نبدأ باسم الله والحمد لله .. صلّى الله عليك يا محمّد
  • لا إله إلاّ الله ... ربّي الواحد (تتكرّر خمس مرّات)
  • باسم الله بديت ... على الرسول صلّيت
  • مصباحين في البيت ضوّي عيونيا
  • 3-  يا ربّي العمالة عليك .... عليك الأقدار ..سرّحني من الدار ... راو حالي مضام
    4- قلت انصلّي خمس أوقات نخلّص الدّين عليّ .... نزور جبل عرفات باش محمّد يشفع فيّ.
    5 - ذكر الله يحيي القلوب وجه الليل انكدّي ... يا رب قرّب منه البعيد الرّسول الهاد.
  •  6- بالحسن الشّاذلي ندهت المضام ... صلّي على محمّد ما تهواش عظامه النّار
    7- نحن جينا زايرين ونايرين للمدينة ... لا تردّنا خايبين على محمّد
    8- يا حجّاج راني ماشي.... يا حجاج قلبي اتشوّق... نوصل مكّة والهادي
    9- الله الله ربّي سيدي ... يا مولاي اقفل ذنبي
  • 10- يا محمّد يا ساكن المدينة ونوره ... زاد الباهية حجّاج الرايحا وين تزوروا...سلّمولي على الصفا والمروة.
 

11- نا يا ماشي للحج وانتبع في الجرّة ... أرّاح يا حاج في مكّة الجنّة.
12- حرم النّوم من عينيّ ... وطوال الليل زاد عليّ ... نوارك من الاخوان سيادي هاي جات وزار بالنية

 

13- الله لا إله إلاّ الله ...الدايم ربّي مولاي... شوفو ما أعطاني ربّي ... نذكر لا إلاّ الله
14- يا حجاج يا زايرين ردّ سؤالي ... على البدر ادّينا .... الرّجا وين الدّالة ... يا مصلحنا مع سيّدنا محمّد نور الدّين...

 

15-  صلّى الله عليه يا سيّدي قبرو مشعشع ... قد الكون وما فيه والهارب لله يمنع
16-  بابور في البحور... يمزّق نوصل للمدينة .... وننزل ونزور رسول الله

 

إنّ ما يلفت انتباهنا في هذه الأناشيد هي ذكر الله ورسوله ( الله – ربّي – محمّد نبينا – سيدنا) وكذلك الرّغبة الملحّة في زيارة مكّة ( نزوروا – زايرين – مكّة – حجّاج – المدينة –زار– الحجّ ...). ولكن ما يثير الانتباه هو البعد الصّوفي الطاغي في هذه الأذكار. وهي أبعاد تحيل على عمق حلول الذّات الإلهية في ذوات سكّان هذه المنطقة. وهذا ما يدلّ على تغلغل البعد الديني في النّفوس ( بسم الله بديت، نبدا باسم الله، ياربي العمالة عليك ، عليك الأقدار، ذكر الله يحيي القلوب ، نصلّي خمسة أوقات) ومن العلامات الدّالة على التّصوّف "الشّوق" و"النّور" و "يضوّي" و "الرّوح" الدّالة على الرّغبة في التقرّب من الله ورسوله وزيارة مقدّساته.

 

ولعلّ انتشار هذا البعد يؤكّد على تهيّئ سكّان هذه المنطقة نفسيَّا وروحيّا لتقبّل الرّوحانيات بشكل عام وهو ما ينفي فكرة صعوبة نشر الدّين الإسلامي، فيبرهن بذلك الغياب التامّ للأصنام رغم كثرة انتشار الآثار فيها من رومانية وبونيّة وغيرهما.

 

والمضمر في هذه الأذكار، يقودنا إلى البحث عن طبيعة هؤلاء السكّان، حيث يغيب تمامًا فيها البعد الجسدي الغريزي والتّكالب على متع الحياة الدّنيا بمختلف ألوانها وتشعّباتها. هذا البعد يدلّ على تماسك هؤلاء السكّان فكريّا وانسجامهم روحيّا وتكافلهم اجتماعيّا. وما مفهوم الزّردة إلاّ شكل من أشكال التّعبير عن مختلف تلك المعاني. بما يحضر فيها من إطعام للمساكين والفقراء والأطفال.

 

فالتّصوّف بمعناه العام هو فكر فلسفي، ولكن إذا أنزلناه في إطار اجتماعي يكشف عن مثالية سكّان هذه المنطقة وعلوّهم الأخلاقي وامتثالهم الديني. ذلك أنّه مجتمع تتوحّد فيه القيم وتشترك فيه مبادئ الرّوح، فيتوحّدون تحت راية الإسلام والشّوق إلى التّماهي مع الله والفناء فيه. وسيطرة البعد الروحي يدلّ على سلاسة انتشار القيم الإسلامية السّمحة. وهي قيم وإن كانت إنسانية فإنّ قد تخوصصت لدى هؤلاء السكّان لتتشكّل في شكل أذكار غاية في الإتقان اللّغوي وعمقًا في التّدلال عن معاني التّكافل.

 

فالقَصد من تعمّد انتشار هذه الأذكار إذن من قبل صانعيها ليس مجرّد "الدّروشة"، بل محاولة لبناء نموذج اجتماعي له خصوصيّة التّراحم والتكافل والانسجام، وصدّ أي فكر تبشيري أو تهويدي سعى الاستعمار إلى نشره في ربوع هذه الأراضي المقدّسة إبّان الاستعمار.

 

الهوامش:

 

الفرق بين الدّلالة والتدلال: إنّ "الدّلالة أحادّية يضمنها الباثّ وتتّصل بالمعاني التّصريحية. وهي تنتمي إلى مستوى المنتج والملفوظ والتّواصل. أمّا التّدلال فمتعدد، وهو منوط بالمتلقّي، ويتعلّق بالمعاني الإيحائيّة. وبهذا يُعتبر التّدلال عملاً منتجا إذ هو ينتمي إلى مستوى الإنتاج والتلفّظ اللَّذيْن يُسهم فيهما الباثّ والمتلقّي كِلاهما. ويتجلّى التّدلال فعلاً ، من خلال أثر أدبيّ حادث أو عارض. (معجم السرديات، تأليف جماعي، إشراف: محمد القاضي، دار محمد علي للنّشر، تونس 2010، ص. 460.

 

انظر تعريف الزّردة في العدد الأوّل ضمن مقال لبوجمعة فيالي ص 7.
3- هذه الأذكار جمعتها عن أبي الّذي كان له رتبة "نقيب" في تلك الزّوايا الصّوفية، وتكون الرّتب على النّحو التالي: شاوش – باش شاوش – نقيب – خليفة – مْقدّم: وسيكون لنا عمل حول هذه الزّوايا إن شاء الله في العدد القادم.

 

المراجع:                     

 

1- الجرجاني (عبد القاهر، تـ 471هـ)، دلائل الإعجاز، شرح وتعليق عبد المنعم خفـّاجي، دار الجيل للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2004.
2-  الخطيب القزويني (جلال الدين محمّد ت 739 هـ) ، الإيضاح في علوم البلاغة : المعاني والبيان والبديع ، منشورات علي بيضون لنشر كتب السنّة والجماعة، دار الكتب العلمية، بيروت / لبنان ، 2003 .
3- السّكاكي (أبو يعقوب يوسف، تـ 626 هـ)، مفتاح العلوم، المطبعة الميمنية بمصر، دت.

 

4- Ducrot (oswald), Le dire et le dit, Paris, minuit, 1984
5- Ducrot (oswald ) , Dire et ne pas dire ; Paris , Hermann, 1972 .
6- Ducrot (oswald) , La preuve et le dire , tours mame, 1974 .

 

7- Searle ( J.R ) On declarative Sentences , in Jacobs & Rosenbaum, Reading ordinaire : naissance de la pragmatique , in , Austin JL , Quand dire c’est faire , Paris , Seuil , 1981
8- Searle ( J.R ) Speech acts , combridge , C . U . P . 1969 .
9- Searle (J.R) Les Actes du langage , Paris ; Hermann , 1972 .
10- Searle (J.R) Sens et expression , Paris , Minuit , 1982 .
11- Searle (J.R) L’intentionalité (essai de philosophie des états mentaux), Paris, Minuit ; 1985.

   

كيف تكون المدرسة طاردةً لأبنائها؟

 

 

بقلم: نبيل الصّالحي

 

مشكل التعليم في ظاهره مبيت احترق وفي باطنه آلاف التلاميذ احترقوا. كل يوم يغادرنا أحد الأبناء إلى الشارع هربا من منظومة لم يفهمها ولم تفهمه.

 

قطاع التعليم اليوم هو نظام طارد لأولاده وطارد للمعلّم والمربّي ! التلاميذ يرقصون ويدخنون الماريخوانا وراء الأسوار والمعلّم عقله معلّق بمشاكل خارج الأسوار وقلبه يحدثه بالسفر وراء البحار، ويقول في نفسه متى أغادر هذا الجحيم.

 

نعم طرد التلميذ هو الحل الوحيد الذي نملكه اليوم! والطرد أنواع. مقهى جميل، جدرانه مزينة، كراسيه مريحة، عماله يستقبلون التلميذ بابتسامة، يجلس ويشاهد الدروس الرياضية، والكليبات والأفلام الثقافية على شاشة عملاقة، ويفي للجميع في المقابل قاعة كئيبة، جدرانها رمادية، كراسيها مؤلمة، يتوسط الجدار سبورة خضراء أو سوداء متجعدة تبعث على الكآبة، ومعلم عبوس، منهار القوى، حينا يفكّر في حلّ المسألة وأحيانا يفكّر في حل مشاكله المتراكمة خارج تلك الأسوار، صحته متدهورة لأنه يضحي من أجل هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء، وفي النهاية لا يجد غير نكران الجميل والجفاء والشتم والتشويه.

 

هي قاعة طاردة لأولادها، أطفال يعيشون بين تطور تكنولوجي متغير متلون خارج الأسوار وقاعة بالأبيض والأسود داخلها ! وبرامج كُتبت لزمان غير زمانهم . وهو نظام طارد لكل معلم نزيه يحاول الإصلاح.

 

فشل المنظومة التربوية يقود إلى فشل النظام بأكمله. ولكن لا أحد يهتم، فالأنظمة تعتبر قطاع التربية والتعليم بطة قبيحة لا تنتج. واليوم لا نهتم سوى لبناء الاقتصاد وجلب المال.

 

ربما قطاع تربية وتعليم الحلزون سيجد آذانا صاغية واهتماما في أعلى مستوى لأن الحلزون منتج أكثر من مدرسة تعلم ولدي وترسم مستقبل بنيتي وتبني لهم جسرا من الأمل يقودهم إلى جنان العلم والمعرفة .

 

نظام التعليم غيّب التربية، لأننا صرنا نهتم فقط بالجانب التعليمي، ونركّز على فئة معينة من التلاميذ، وهذه المجموعة المتميزة سنصدّرها إلى الغرب بعد تعب ومشقّة في الحفر والغرس والتثقيف والتأطير، يأخذها الغرب ويزرعها عنده لبضع سنوات فقط، ثم يبدأ في جني الثمار ونبقي على المجموعة المتوسطة ونطرد المجموعة المهمشة وهي مليئة بالحقد والكره والإحساس بالغبن لنظام همشها وسيهمشها.

 

نطردهم إلى الشارع والشارع سيتكفل بطردهم إلى الإصلاحية، والإصلاحية ستتكفل بمهمة صنع جيل جديد للسجون. نعم سيرتقي ويوجه إلى سجن آخر ويواصل تعليمه بين الشوارع والسجون.

 

من يتحمل المسؤولية ؟

 

في الواقع لا أحد!

 

الولي يُحمّل المسؤولية للمعلم والمعلم يحملها للوليّ والنقابات تحمّلها للوزارة، والوزارة تحملها للنقابات، وتذكرنا أنها تعاني من ضعف الموارد وتحمل المسؤولية لمن وضع الميزانية،

 

ولا أحد تحمل مسؤولية ما يحدث، ولن يتحمّل مسؤولية ما سيحدث لأهم قطاع منتج.

 

نعم قطاع التربية والتعليم هو من ينتج الجنود حماة الوطن، والساسة ورجال الإعلام، ورجال الاقتصاد، والمحامي، والطبيب، والمهندس، والتقني، والشاعر، والكاتب، ويزرع التربية في عمال السواعد...

 

هو من يُنتج الأفكار، ولا مستقبل لمجتمع جاهل. هذا القطاع يُنخر من داخله ومن خارجه وحتى من وراء البحار.

 

قطاع نخره الإعلام، ونخرته ثقافة التفاهة، وشعر التفاهة، ورسومات التفاهة، ومسلسلات التفاهة، ودراسات التفاهة، وأغاني التفاهة، ولباس التفاهة، وأفكار التفاهة، وأنظمة التفاهة. نعم يا إخوتي، فشل المنظومة التربوية سيقود إلى فشل جميع بقية المنظومات. وسيقود إلى فشل النظام. وربما بدأنا فعلا عملية جني ثمار الفشل.

 

إصلاح التربية يسبق إصلاح البرامج التعليمية والمناهج وطرق التدريس، وإصلاح التعليم يسبق كل إصلاح.

 

ولدت في المدرسة وعشت داخل أسوارها لسنوات وسنوات، ونهلت منها التربية والعلوم والخلق الكريم، وأخشى على صحّتها خشيتي على صحّة ومستقبل بناتي ويؤلمني أن أراها تتهاوى يوما بعد يوم.

 

والأكثر إيلاما أن ينعت أحدهم مدرستي أمي بالقطاع غير المنتج.

 

المدرسة كالأم يا أخي.

 

رحمك الله يا أمّي.

 

وعافاك الله يا مدرستي.

 

لمحةٌ حول وضعيّة المرأة في غارالدّماء

 

 

بقلم: وهيبة القاسمي

 

 

 

تتميّز منطقة غار الدماء بسيطرة الطّبقة المتوسّطة والفقيرة على المشهد العام للتّركيبة الاجتماعية وهو ما انعكس على وضعيّة المرأة في المنطقة وجعلها تحظى بدور خاصّ ومميّز في الحفاظ على الكيان الأسريّ والمشهد العامّ لخصائص التّركيبة السّكانيّة في المجتمع المحلّي، إذ تعتبر المرأة "مكافحة" حقّا بمختلف فئاتها وفي شتّى الأصعدة  في مختلف الميادين.. إذ نجد المرأة الرّيفيّة،و التّي تشكّل فئةً ذات نسبة كبيرة نظرًا إلى تواجد العديد من القُرى الجبليّة والأرياف المحيطة بالمدينة.

 

و تختلف وضعيّة النّساء الرّيفيات عن نظيراتها في المدينة، خاصّة على مستوى الحياة المعيشيّة الذي يفرضها عليها تواجدها في الرّيف أو القرية الجبليّة. إذ، ومنذ زمن بعيد - وحسب روايات جدّاتنا وأمّهاتنا - نلاحظ انصرافهنّ إلى العمل الفلاحيّ المُضنيّ للمساعدة في توفير لقمة العيش إلى جانب الرّجل، أو اضطلاعِها بذلك بمفردها، وذلك إلى جانب دورها في البيت و الأسرة. هذا دون أن ننسى ما تفرضه عليها قساوة الحياة المعيشيّة أحيانًا وقساوة الظّروف الطبيعيّة والتّضاريس الجبليّة. وإلى حدود يومنا هذا ما تزال هذه الوضعيّة قائمة، لكن بنسب أقلّ ممّا كانت عليه في الماضي، خاصّة مع دخول المرأة مجال التّعليم.

 

وهنا تنطلق المرأة في كفاح آخر وهو التّعليم. لكن- ورغم بعد المدارس والمعاهد في أغلب المناطق الرّيفية والحياة المعيشيّة المحدودة لكثير من الأسر الرّيفية، وأحيانًا العقليّات الرجعيّة التي تجبر الفتاة الرّيفية على الانقطاع المبكر عن التّعليم- إلاّ أنّنا نجد في أريافنا المرأة المثقّفة والجامعيّة والأكاديميّة التي تحتل عديد المناصب والوظائف. ومن هذه الزاوية نسلّط الضوء على وضعيّة المرأة المتعلّمة العاملة بصفة عامة في غارالدّماء، التي تجد نفسها مطالبةً بالتّنقل للعمل في الأرياف والمناطق الجبّلية، ومن هنا كذلك نجدها تدخل في كفاح و تحدٍّ آخر أمام صعوبة التّنقل وبعد مراكز العمل وصعوبة التّضاريس بين المسؤوليات الملقاة على عاتقها داخل أسرتها.

 

وإضافة إلى ما تحمله الخصائص العامة للمدينة، من حيث سهولة العيش من تضاريس وبنية تحتيّة، وتوفّر جميع المرافق الضّرورية وسهولة التّنقل... إلاّ أنّ وضعيّة المرأة في المدينة لا تختلف كثيرًا عن نظيرتها الرّيفية أو القرويّة، خاصة على مستوى الحياة المعيشيّة وسعيها للحفاظ على التّركيبة الأسريّة المتوازنة في المجتمع المحلّي. فرغم أنّ أغلبيّة الأسر من الطبقة المتوسّطة والفقيرة إلاّ أنّنا نجد المرأة تسعى جاهدة للاهتمام بأسرتها وبتعليم أبنائها، وتقف جنبا إلى جنب مع الرّجل في ذلك، وأحيانا تضطرّ لتحمّل هذه المسؤوليّة بمفردها نظرًا إلى ما تفرضه عليها وضعيّتها الاجتماعية الصّعبة.

 

ولا يختلف الأمر هنا بين المرأة المتعلّمة العاملة أو غير العاملة وبين المرأة محدودة التّعليم أو الأمّية. وتبعا لذلك نجد العديد من النّساء يعملن في شتى الميادين؛ فإلى جانب المرأة الأكاديميّة العاملة في القطاع العام والخاصّ نجد الكثيرات ممّن يشتغلن في التّجارة في المحلات والأسواق والعديد منهن التجأن إلى اتّخاذ مهن صغرى في بيوتهن كمصدر رزق، نذكر منها الصّناعات التقليديّة وصنع الخبز والحلويات التقليديّة. هذا التّنوع في الفئات الاجتماعية، وأمام العديد من التّحديات التي يفرضها المجتمع، جعل من المرأة في منطقتنا تتميّز بشكل كبير وإيجابي بكفاحها وسعيها لتحقيق التوازن بين النّجاح في حياتها الشّخصية كإنسان فاعل في المجتمع وبين الحفاظ على الكيان الأسريّ من ناحية أخرى.

 

لكن ورغم هذه الإيجابيّة التي تظهر في مكانة المرأة في منطقتنا، وأهميّة دورها في المجتمع المحلّي إلاّ أنّ الأمر لا يخلو من العديد من السّلبيات الموجودة والملموسة في المنطقة. نذكر منها معاناة العديد من خريجات الجامعة ومراكز التّكوين والمنقطعات عن التّعليم من البطالة نظرًا لعدم توفّر مواطن الشّغل بالشّكل الكافي في المنطقة، ولجوء العديد منهن للتّنقل إلى مناطق أخرى للعمل، وما يجدنه من صعوبات أحيانًا تصل إلى درجة الاستغلال.

كذلك نذكر الحالات الاجتماعية الصّعبة للكثيرات والتي نكاد نقول إنها تحت خط الفقر، إذ يوجد العديد ممّن يُعانين من عدم وجود مصدر للرّزق أو من انعدام وجود عائل. هذا دون أن ننسى وجود مظاهر شاذّة كلجوء قلّة من النّساء للتسوّل و اتّخاذه مهنة أو الاضطرار إليه نظرًا لحالة الفقر المدقع اللّاتي يعشنها. وإن لم يرتق هذا الأمر إلى مستوى الظّاهرة لكن يبقى أمرًا لافتا للنّظر، وهي مشاهد مؤلمة ونرجو أن تزول من المجتمع المحلّي.

تم عمل هذا الموقع بواسطة