شعر

يوم الوفاء

 

بقلم: منير البولاهمي

 

 

 

 احترت في عجز الكلام عن الكلام

 

  في حضرة الحضرات فرسان الكلام

 

إنّي لأخشى أن أقصّر إن أنا حاولت تمجيد الرّجالات العظام

 

 إذ أنّهم يسمون عن كلّ الصّفات ويجلّ ذكر خصالهم بين الأنام

 

 إنّي لأسعد أن أُرَى بين الورى في حفل تكريم المربيّن العظام

 

 ماذا أقول والفضائل جمّة والقول يعجز عن محاكاة التّمام

 

 لهمُ الوقار جميعه وكذا العلى وكذاك أسرار المعارف والنّظام

 

 إنّي نطقت الحرف في أحضانهم وعرفت آداب الجلوس والقيام

 

 رسل يؤدّون رسالات الحياة في فسحة الأمل المليئة بالوئام

 

 لم تثنهم عنها المشاغل كلّها يمضون في تبليغها مثل السّهام

 

 يوم الوفاء شهادة منّا لهم بعظيم شأنهم الرّفيع المستدام

 

 يوم الوفاء هديّة منّا لهم فيها معاني العزّة والاحترام

 

 حُيّيتُمُ أهلَ المحبّة والمنى حُيّيتُمُ أهل المكارم والسّلام

             

 

 

 

 

 

 

القدس؟ سؤال بلا جواب

 

 

بقلم: حسن الستيتي

 

للحزن أسبابٌ وللحبّ أبواب،
أنت ملهمتي، وفي الحزن أنت إحدى أسبابي.
يا قدسُ كلّما ذكرتك ....
بتّ على كمد واشتدّ علي عذابي،
وقد كرهت أن أذكر ما كان للعرب
من سطوة لأجلك، وأمجاد وألقاب،
كلّما ذكرتك يا قدسُ
تضوّع المسك في الطّرق والحقول و الشّعاب،
وتفتحت أكمام الزّهور
واحتفى الاخضرارُ بالأعشاب
وأشرقت شمسٌ تبهج العصافير
كأنّ الرّبيع على الأبواب،
ألا بذكرِ القُدس يزدان خِطابي
ويوم وصموك اهتزّ كياني،
بكيتُ حَياتي، فقدت صوابي
وقلت لمَ لا أضحي بهمتي
وعزمي وفتوّتي وشبابي؟
وقد عزمتُ وحبكتُ جرابي
ولكني صدمت بتلكّؤ الزّعماء في الخطاب،
خطاب عقيم، مخجلٌ، غامضٌ غموض الضّباب
لا حزم فيه، لا موقف فيه.

 

وظلّت القُدس سؤالاً بلا جواب،
كأنّ نكبة القُدس قدر ماض في خطه
وكأنّ القدس دعاء غير مستجاب.
لقد ماتَ حُلمي العربي،
وتلاشى في عتمة السّراب.
وهزّتني دموعُ الّذين هدمت منازلهم
يبيتُون في العراء بلا أكل ولا شَراب.
أطفال يبكُون وزُعماء لا يكترثون،
يدعون إلى قمّة ويكتفون بالعتاب.
ماانفك دعاة القضية يتشدّقون
بهشاشة الاقتصاد ويطرحون تعلاّت وأسبابا
وأنا بفارغ الصّبر أحسب ساعة الخلاص،
ولكن أبت كلّ الأرقام أن تدخل في حسابي.
كنت يا قدسُ عاصمة الأنبياء
وأصبحت عاصمة لبنات آوى والذّئاب،
يفترسُون ويقتلُون وينهشُون ...
تلك هي بَشاعة الذّئاب والكلاب.
وعند الفَجر أجد بعض المواساة لنفسي،
بأنّ كلّ أطفال فلسطين أحبابي.
وحين أغنّي لوطني، حماة الحمى
تكون القٌدس في خٌلدي حاضرة بالغياب.

الطّفل في المِحْرابْ

 

 

 

 


بقلم: د. حكيم الهرمي

 

 

 

أَنَا لاَ أَسْتَغْرِبُ
كَيْفَ الشَّجَرُ يَمُوتُ عَطَشًا ...
وَالبِئْرُ بِجَانِبِه ِ
وَلاَ يَنْحَنِي نَحْوَهُ كَيْ يَشْرَبَ
لاَ أَسْتَغْرِبُ كَيْفَ الطِّفْلُ يَمُدُّ يَدَهُ لِلنَّارِ
تَحْرِقُهُ، وَيَظَلًّ مُقْتَنِعًا
بِأَنَّهُ كَانَ يَلْعَبُ.
لاَ أَسْتَغْرِبُ
كَيْفَ الْقَلْبُ الثَّوْرِيُّ
فِي أَوْجِ مِحْنَتِهِ
مَازَالَ يَمَزِّقُهُ الرَّصَاصُ
وَلاَ يَهْرَب.ُ
إِنَّهُ زَمَنٌ مِنَ الْغُرْبَةِ
مُكْتَنِزٌ بِصِرَاعَاتِ النِّسْيَانِ
يَحْمِلُ فِي حُزْنِهِ قَصَائِدَهُ
وَلاَ يَبْكِي وَلاَ يَتْعَبُ.
ذَلِكَ الْمُولَعُ بِاحْتِرَاقِ الْكَلِمَاتِ
يَصُوغُ كَآبَتَهُ
كُلُّ جَسَدِهِ أَوْرَاقٌ بَيْضَاءُ
وَلاَ يَكْتُبُ.
يُنْطِقُنِي الصَّمْتُ
تنْعَسُ فَوْقَ الشَّمْسِ ظِلاَلٌ
يتَمَاهَى مَعَ الْكَأْسِ الْعَاشِرِة ِ
سَيِّدُ الْكَلِمَاتِ ... وَأَشْرَبُ.
لاَ أَسْتَغْرِبُ
كَمْ أُحِبُّ غُصْنِي
وَلَوْنِي وَعَيْنِي
رَغْمَ كُلِّ الْمَسَافَاتِ وَلاَ أَنْضُبُ.
مَدَى عِشْقِي خُرَافَةٌ
لَظَي شَوْقِي لَطَافَةٌ
كَذَا حُزْنِي أُغَالِبُهُ وَ لاَ أَغْلِبُ.
هُوَ ذَلِكَ الطِّفْلُ
بِمِحْرَابِ عَيْنَيْ أُمِّهِ يَتَعَبَّدْ
يَتَعَلَّمُ الفُصُولَ فَيَرْحَمُ الْخَيَالَ
يَجْمَعُ مِنْ جُذَاذَاتِ صِبَاهُ قَصِيدَة ً
وَكُلَّمَا أَمْسَى اللَّيْلُ تَهَجَّدْ.
تَطُوفُ حُقُولُ الْبَنَفْسَج ِ
حَوْلَ كَعْبَتِهِ
وَالنَّهْرُ بِتَفَاصِيلِ وَجْهِهِ تَجَعَّدْ
يَصْمُتُ وَشُغَافِ قَلْبِهِ ثَرْثَرَةً
وَالْبَوْحُ سُطُورٌ بِهَا شَفَتَايَ تُغَرِّدْ.
هُوَ ذَلِكَ السَّفَرُ الدَّائِمُ
هَوَ ذَلِكَ الزَّوْرَقُ العَائِم ُ
حَمَامَاتٌ تَحُطُّ عَلَى غُصْنِ التِّيهِ
مِنْ فَرْطِ صَمْتِهِ ...تَنَهَّدْ
صَاغَ فِي الأُفْقِ الأُقْحُوَانِيِّ سَنَابِلَهُ
مِعْصَمَاهُ جَدْوَلاَنِ
فَاضَ المَاءُ مِنْهُمَا وَتَمَرَّدْ.
هُوَ ذَلِكَ الصَّبَاح ُ
ذو الوَجَعِ يَسْتَفِيقْ
الْأَزْرَقُ فِي لُجِّ زُرْقَتِهِ غَرِيقْ
وَشَوَاطِئُهُ الَعَارِيةُ مُمْتَدَّةٌ.
تَسْقُطُ فِي الخَرِيفِ أَوْرَاقُ الذَّاكِرَة ِ
يَفْتَرِسُ التَّارِيخُ وِسَادَتَه ُ
وَالضَّمَّةَ وَالْفَتْحَةَ ُوَالشَّدَّةَ.
نَسِيتُ الكَسْرَةْ،
تََعَوَّدْتُ أَنْ أَتَصَعْلَكَ بَيْنَ الْحُرُوفِ
وَكَطَائِرِ الْفِينِيقِ أَتَجَدَّدْ.
هُوَ ذَلِكَ الصَّبِيُّ الَّذِي عَلَى رَاحَتَيْهِ
يُورِقُ العَوْسَجُ وَالإِكْلِيلْ
وَتَنْطَلِقُ فَيَالِقُهُ عَلَى الوَرَقْ
وَيَثْمَلُ مِنْ أَوَّلِ رَشْفَةِ عِشْقْ
سِراجٌ قدْ تَوَرَّدْ
ثُمَّ صَارَ حُبًّا
ثُمَّ صَارَ دِفْئًا
بِالفِطْرَةِ يَتَّسِعُ كَاللَّيْلِ.
يَصْعَدُ قِمَّةَ صِبَاهُ صُبْحًا
كَيْ يَنْشُرَ مَا فَاضَ مِنْهُ مِنْ مَوَدَّةٍ.

 

ظريف الطّول
 

بقلم: فتحي شعابي

 

إلى جازية العَينين،
زبيبة ضفائر الشّعرِ،
إلى فهريّة المنبت
من قَطعت حبال خُيول
قافيتي،
عند مَربط الرّكب
سلامٌ من ظريفِ الطّول...
قلت لها
وركبُ خيلي قدّاحة
والنّقعُ أحجم عَيني،
فلا أرى إلاّ غبارًا،
لا ينفعُ سَكب المعِين
وراء قلع الرّحال
وماءُ دمع القَلب في لوعة الفِراق شلال
يا ليت إقلاعِي كان لغزوةٍ
أسكنُ قلبها دون قِتال
تحضُنني السّماء في زُرقتها،
وغَنجاءُ العَين تتروّى
وَراء رُكام السّحابِ
ورَواسِي الجِبال
كانت رقّة خُيوط الشّمس في عَينيها،
وهي تُودّعني،
فأضاءَت وَجنتَيها،
وأزهَرت مَكارم طِيبها في ربيع الخَيال
كان حلمٌ وكان ... .
أيقضني صوتُ المحرّك،
وصوتُ المضيفة عند الإنزالِ،
تعلنُ: لقد وَصلنا بسَلامٍ
وهُنا نحطّ الرّحال .

          

 

 

التّـــاريخُ والغصْنُ الأخضَرُ...

 

 

 

 

 

 

 

 

شعر : منير الجامعي

 

1-
أيّها التّــــاريخُ مِنْ أيْنَ البدايــــــــهْ؟ *** قِفْ قليلاً، فإلـــى أيِّ نهـــــــايــــــهْ؟

 

شامخا نَراكَ كُلاًّ فــــي قمـــامــــــهْ *** تتلحّــفُ بصفــــــرٍ وعِمـــــــــامــــــــــــهْ

 

عيْنُكَ اليُســـــرى تُفــــاخرُ بنصْــــرٍ *** وتُجـــــاهرُ يَمينــُـــــــــكَ خســــــــــــــارَهْ

 

مَنْ بَنــــاكَ أيّهــا التّــاريـــــخُ مَـنْ ؟ *** وكيفَمَــــا هــي حقيقةُ الرّوايَـــــــــهْ؟

 

أهلُ أصفــارٍ تنــــاحرُوا قِتـــــــــالاً *** ضَيّعوا أمجادَنا، بـاعوا حضَـــــــارَهْ

 

كمْ عذارى اغتصبوا وكمْ دمــــــــاءً *** سفكــوا، وأرضُنا بِيعتْ خيـــانَــــــهْ

 

رحلتْ أندلســــــي، وقُتِلتْ بغْـــــــــ.......ــدادُ، والقدسُ كــــــــذا بدون غـــايـــــهْ

 

فـإلـى متـى ستبقى شـــامخـــــًـا بـــ.......ــدون أرضٍ دون عِرضٍ دون رايــهْ

 

قدْ عهدْنـــاكَ ذليلاً، بالخيـــــــانـــــهْ *** شيّدوا صرْحكَ، ثمّ بـالوصــايـــــــــهْ

 

2-
أيّها التّــــاريخُ مِنْ أيْنَ البدايــــــــهْ؟ *** قِفْ قليلاً، فإلـــى أيِّ نهـــــــايــــــهْ؟

 

أمُّكَ الثّكلى تنـادي: "عدْ إلى المــــــا *** ضي سنينَ، يوْمَ أرضٍ وكرامــــــــهْ

 

كمْ شهيدًا، كمْ رضيعًا، كمْ شريـــــدًا *** بجنيــــنَ وبغــــزّه وأريحَــــــــــــــهْ

 

نعْمَ أطفـــــالٌ بــــأرضٍ يحرثـــــونَ *** بـــأظـــــافــــــرَ، بُذورُهمْ حــــــجــــــــــارَهْ

 

نعْمَ أطفـــــــالٌ مـــــآقيهمْ دمــــــــاءٌ *** يجرعُون الأرضَ مجدًا وكرامــَــــهْ

 

أسَفي على رجــــالٍ فـــي خـــــدورٍ *** النّســـاءٍ، مجدُهم كــأسُ مُدامـَــــــــهْ

 

ليتنــــي أفكّ أسْــــــــري وأقطّـــــــــــــــــع السّلاسلَ، أمزّقُ القتــــــامــَــــــهْ

 

علّني أراكِ يــــا أمّـــي وغُصْنـــــــــــــــــكِ وليدًا راكبًا فوق حِصــــــانـــــــهْ

 

أسفي عليكَ يـــا غصْــــنُ، ويا أمّــــــــــــي، ويا قُدْسُ، فمنْ أيْنَ البدايــــــــهْ

 

3-
أيّها التّــــــاريخُ... أيْــــنَ قَلَمــــي و *** أيْنَ مجْدي وأيْنَ غصنيَ الدّفيــــــــنْ

 

أمّكَ الثّكلى تنادي: "عُدْ إلى المــــــا *** ضي، إلى الجُرْحِ، إلى شقَى السّنيـنْ

 

عُدْ إلى الخرابِ والدّمار عُـــدْ... إ *** لى ضَياعِ الابنِ والغصْنِ الحزيـــــنْ

 

عدْ إلى الجفافِ والفنـــــاءِ عدْ... إ *** لى خيـــــانةِ أبي الغصْنِ السّجيــــنْ

 

أيّها التّاريخ... عُدْ إلى الهزيمـــَــــهْ *** والفضيحهْ،عُدْ إلى الماضي المشينْ

 

نطقَ التـــــاريخُ: "يـــا أمّـــي أنــا ذَ *** ليلُ والـــــذلُّ طفــــــا فــــــــوق الجبيــــــــنْ

 

خـــــانني أهلُ عَمَـــــائمَ وأصْفـَـــــا *** رٍ، فعــــانقْتُ نجـــــاسةً وديــــــــــنْ

 

قد تكــــالبــــوا على تدوينِ أوهــــــا *** مٍ، فزيّفوا... وأجهضــوا الجنيـــــــنْ

 

صيّرونـي، زخرفونـي بـــالهزائـــــــــــــــم، وصيّروا السّنينَ كالقـــــــــــرونْ

 

أيّهــا التــــاريخُ... ليتكَ كمــــــا تـــــــــــــكونُ كيْ نشْطبَ ذلاًّ وشجــــــــــونْ

 

أيّهــــا التّاريخُ مــــاتتِ الحجـــــارهْ *** وأنــــــا ثكــــــلى فقيرةُ البنيـــــــــــــــنْ

 

لهفَ قلبــــي، أيْـنَ غصْنيَ الأخضَرُ *** ابنيَ التّــــائـــهُ من دون مُعيــــــــــنْ

 

4-
أيّها التـــــــاريخُ... أيْـــنَ سيفُ حمز *** ةَ، وأيْنمــَـــا صلاحُ والرّمَــــــــــاحْ؟

 

لهفَ قلبي أينَ قدْســـــيَ الأحمـرُ؟ *** وعلى الصّلاة حيّوا، والفــــــــــــلاحْ

 

لهفَ قلبــــي، أين غصنـيَ الأخضرٌ؟ *** ابني التّائهُ مقصوصُ الجَنـــــــــــاح؟

 

أيّها التّـــــاريخُ كيف ضاع غُصني؟ *** كيفَ أُسْكِتُ العيونَ والجـــــــــــراحْ؟

 

أيْنَ غصني هلْ تزوّجَ وهلْ أنْــــــــــــــــــجبَ زيتًــــا وعطورًا وفُقــــــــــــاحْ؟

 

كيــفَ يُقتـــــلُ أبـــــوك يــــا بُنــــيّ *** ودمـــــــــاؤُه لِكلْبهـــــم تُبــَــــــــــاحْ

 

كيـــفَ يُقتـــلُ أبــوك يـــا بنـــــــــيّ *** وعيــونٌ بالكؤوسِ في انْشـــــــــراحْ

 

غَدَرُوا أبـــــاك، والغدرُ مُبــــــــــاحْ *** والأهالي في خصـــام أو نُبـــــــــــاحْ

 

يــا بُنــيّ عُدْ ولا تنسَ وصيّــــــــــــــــــــــة أبيـــــكَ وَلْتواصــــلْ الكفـــــــــاحْ

 

"هــا أنـــا الغصْـنُ جريحًـــا سأعـود *** لأزوّجَ جراحـــــي بـــالجــــــــــراحْ"

 

شَرِبوا دَمَ أبــــي ويشربـــُــــــــــون *** دمـــيَ الأخضـــرَ حنظـلا قـُـــــــراحْ

 

سأعــــــودُ يــــا فلسطـينُ لأغرِ *** سَ دُموعــــي ودمائي في البـَـــــرَاحْ

 

سأعــــــودُ كــيْ أكونَ كالنّخيـــــــلِ *** لا يُميتُنـــي الجفـــافُ والأُحـَـــــــــاحْ

 

ليت شوقـــِـي كــالطّيور، ليت عيْنـي *** كالبحـَـــارِ ودمـــوعــي كالجُــــــلاحْ

 

فـابْشِـــرِي يــا أمُّ قدْ آبَ النّـُــــــواحْ *** أبشري يـَـا قدسُ قـد آب المُحَــــــــاحْ

 

وهلمّـــوا يــا بَنــي أمّــي وهُبّـــــــوا *** كـــالعواصفِ وأمـــــواجِ الرّيـــــــاحْ

 

لِنُعــــانقَ النّجـــومَ والشّمــــــــــوسَ *** وَلْنُعـــانــقَ النّسيــــــمَ والصّبــــــــاحْ.

                

وحين تسعفني القصيدة...

 

 

بقلم: عبد الكريم البُوزازي

  

لأنّ في ذَاكرتي تَجاويف جُنون،
غصّت في حُروفي،
والحُروف أنا
وأنا حرُوفي،
اِفترشت السّماء النّحاسيّة،
وطَفقتُ أنسجُ من حبّات المطَر
رذاذًا واهنًا
تتناوبه الهُمُوم،
وفي زاوية الخَرِيف
اِنتحَيتُ ركنًا
بعثرت الكَلام
وشكّلت ألوانًا كالخَزف
في الصّحُون ...
اِتّخذتُ من القَصيدة
مسربَ تِيه
سلكه حسّي
في غَابة السّنين
وجعلتُ من القَوافي لسان حال غُربتي
وحامل لوائها الموعُود،
يسبرُ أغوارَها
ويجلُو أبعادَها
في صهيل اللّيالي
حينَ يسهده النّفور
متَى أحَيى؟
حِين يَسري الشّعر في أوصالِي كالدّاء
أُدرك أنّ المرء يمُوت
ألف مرّةٍ في اليَوم
ويُحييه نسغُ القَصيدة.
أجل الشّعر ... الكَلمة...
الحرفُ المجنُون...
حين يُصبح نشازًا في مشهد عام
كحَبّات نُور
تتلألأُ على صفحاتِ الشّوارع
تنشدُ الظّلاَم...
كَفوانيس بلديّة
تنخَفضُ ذُبالتُها
تحت قصفِ الرّعُود
حين تُهان...
مَا المكان ؟
بَرارِي مُنفلتة ...شاسِعة...
تَرتعُ فيها حَرَافيش،

 

تَحومُ في الظّلام

 

تَنشرُ الوَهن...
تُسرع فِي الاتّهام،

 

تَنثر الافتراءاتِ والبُهتَان،
وفي ذلك الجوّ الصّاخب
بالعجاج والأَتربة
جَرت عَيناي على المكَان،

 

حَامت صُور وأَخيِلةٌ

 

على سُهوب الذّهن
والزّمان...
اِزدَردتُ رِيقي الجافّ

 

وتَشرّبتُ إِسفَنج
ما أقدرُ عليه من شِعر ...
جلستُ في الزّحام...
أَكرع من بِئر ذَاتي
وأجلِدُها بسوطٍ
منقُوع في الماء ...
مَغمُوسٍ في الأوهام.

 

تم عمل هذا الموقع بواسطة