العُيون نبع النقاء
شعر: فتحي شعابي
أنا يا سيدتي،
عطر الفجر،
رذاذ الندى،
حمرة وروار،
الشفق على وجن الخدود،
أتيتك بعد صقيع الفراق،
أدغدغ بسمة الربيع،
على شفتيك.
عذراً إن تأخّرت سيدتي،
فموعدي يواكب
رحيق الورد الذي فاح،
بين لعاب النّحل
عسلا سائغًا
لفطور الصبح إليك،
سوف نلهو على
ضفاف متاعبنا،
نجمع عراجين ورد الأقحوان
نقلد سنفونية العصافير،
خرير الجداول،
وتشمس في أعيننا
شمس الضحى
لنستفيق على نبرات
حلى موج الزرع.
تحركه دبكة نسيم
يتحرش بالفراش،
يسامره ويغازله
ليسترق من قافيتك
لون الخضرة،
لون المرج.
عفوا سيّدتي،
لقد عدت من حيث
ولدت،
من حيث تفارقنا
ها هنا،
من مهد البداية
عدت
كصبيّ
أمدّ إليك يدي
فهاتي إلي يديك
لنزرع الحلم ربيعًا،
فاختاري
بين أي ورد شئت،
فأنت زهرة
بتلته
وأنا منك عطره.
هي ذي جِنانك يا ابن تُرْبتنا
بقلم: منير البولاهمي
هي ذي جنانك يا ابن تُرْبتنا
فانعم بها في غمرة الأشواق
واذكر بها شمتو وبلاّريجيا
وافخر بمجدهما التّليد الباقي
لك أن تغنّيَ قائلا في نخوة :
حُيّيت يا محبوبة العشّاق
يا متعة الأنظار والأحداق
يا ملتقى الأحباب والعشّاق
يا هل حباك اللّه بالإبراق
والخصب والأنوار والإيراق
لك عشقنا يا جنّة خضراءَ
يا بهجة، يا روضة زهراءَ
لك في القلوب مكانة الأمراءِ
يا موطن الأطيار والشّعراءِ
لك في طبرقة كلّ شَيء باق
بحر جميل رائع الأنساق
لك ألف عين عذبة الإغداقِ
ولك المنابع كالسّنا البرّاق
عين دراهم لؤلؤ وزبرجد
وجبالها للأرض كالأطواق
فرنانة الأجداد دوما ظلّها
يمتدّ في الأرجاء والآفاق
غار الدّماء بسهلها وبغابها
تغري الحنين بمهجة المشتاق
وادي مليز بسحرها تَسْبِي الوَرَى
وبطيرها وبمائها الرّقراق
ولك الحقول بجنّة بوسالم
رمز الخصوبة في ذرى الأسواق
هي ذي جنانك يا ابن تُرْبتنا
فانعم بها في غمرة الأشواق.
نِــــزال
بقلم: وداد الكلاعي
وحدسك قد خانَك يا سيّد المسَاء،
لست خريفًا إنّما خلقت من شِتاء،
من رُوح نوء عاصفٍ لا ينحني،
فلا حُدود و لا قُيود محرّر الأهواء،
من زمهرير قارسٍ أركانه مُلتهبة،
عقيدتي رُعود مزبدةٌ تحرّك الأجواء،
ولي رياح ذَارياتٌ لا تبقي أمَامها،
فلا يغرّك ظنّك و ما رأيتَ في الأرجَاء،
لا مَوضع يا سيّدي للوَهمِ في حَديقتي،
لا تيه في قضيّتي بل ثَورةٌ هوجاء،
من قيس هذا من جَميلٍ من عمر،
اِعلم أنا يا سيّدي لا أعرف الأسماء،
هم آمنوا بالهيم والحبّ الضّعيف،
أمّا أنا فقلبي متمرّد عاصفٌ الأنواء،
أنا من ذاك البرق الخَاطفِ منذرًا،
أنا ابنة الغَيم المسافر أنا ابنة السّمَاء،
يومًا لم أخش عاذلاً في الحبّ،
و لائمي تجرّع النّدامة استقاء،
أنا كصخرٍ جُلمد أبدًا لا ينثني،
والحبّ في دفقه والمطر سَواء،
لكنّني لا أروي كلّ من رام الاِرتواء،
و عن ذاك الغَريب بحثتُ في عَناء،
و أيّ شرق سيّدي سيأسر لي فِكري،
أيُمكن أن تُحبَس الغُيوم في وعاء؟
تجرِي رياحُ الحبّ كيفَما اشتهيت،
وتسقي غيمةُ الهوى حيثمَا أشاء،
نبّأك أقوام صاحبي بأنّني مُرهقة،
ومذهبي في الحبّ حُزن ترحٌ وشقاء.
ولي في سمائي الرّحبة قمرٌ مترنّــح،
أمّا نجوم الفضة فتساقط من علياء،
قد كذَبُوك سيّدي فيما قصّوا عليك،
وقدّموني في الهَوى بهذا الافتِـــــراء،
فهل يجوزُ قرن السّنديان شامخًا،
في عرف غابة بنبتة برية شعثاء؟
لي شرعة تختلفُ في الحبّ
عن كلّ ما عرفت فريدة الآلاء،
في الحبّ إنّي بنيت مدينـــتِي
عاليةَ الأسوار مرفوعة اللّواء،
فهل تجرأ يا سيّدي تتبعني
أريك عالما بديعًا مفرد البناء؟
و إن أردت حربًا فهاهنا تجدُها
لكن حذارِ من مَعاركِي، لا يُوجد جَلاء.
ثورةعلى الشّعر والضّميرالعربي
بقلم: حسن الستيتي
أيّها الشّعر العربيّ تكلّم،
قل شَيئاً؛ في الفكر أو في الأدب،
كيف ترى حال الأمّة؟
كيف ترى حال العَرب؟
ألا ترى نعوش الشّهداء مَحمولةً
ذاهبةً إلى مثواها الرّطب
تعلو وجوهها ابتسامات النّصر
وقد تزينت بالدّم المخضب؟
ألا تَرى همم الثّائرين مَرفوعةً
ما بين الضّوضاء والشّغب؟
ألا تَرى الصّدور عاريةً
تحتفي بالرّصاص الملتهب،
وأمَهات الشَهداء يُزغرِدن فرحاً
بهذا الموت، فرحاً بهذا الخطب؟
وترى الأطفال يبكون، يبكون، يبكون
من البؤس و الفقر وليس من الرّعب،
والزّعماء يخفّضون من ثمن الخبز
ويمعنُون في الخطب،
ويقُولون إنّ الحرّية والعدالة والمساواة
والدّيمقراطية هي شعارات الحزب؟
أيّها الضّمير العربيّ
تكلّم قُل شيئًا،
أيُعجبك الزّعماء يبنون القُصور
ولا يملون من جمع الأموال وتَكديس الذّهب،
يُصادرون أرزاق النّاس ويدحرُونهم؟
أيُعجبك الزّعماء بارعين في النّهب؟
يَسلبون الحرّيات وينتهكون الكرامات
ثم يحتفلون بعذابات الشّعب؟
ديدنهم قَمع النّاس وسفك الدّماء
واحتراف الخداع والكَذب؟
ثمّ يأخُذون أموال الفُقراء
ويتحصّنون بالهَرب؟
أيّها الشّعر العربيّ
تكلّم قل شيئًا،
كيف تأتي ....كيف تأتي
ثم تمرّ مرّ السّحُب؟
أتلتذّ بتعَاستي وسوء مُنقلبي؟
أنت همٌ، أنت هوليكوس
يستعر في القَلب،
ولكنّي أراك ترقصُ
في حانات اللّهو واللّعب،
متشاغلاً بالقبلات
وكؤوس الحبّ،
و قد أنكرتَ عليّ
ملاحِم صلاح الدّين
وتناسيت أمجاد
البُطولة وحنكة الحرب.
تنَاسيت التّاريخ و الحَضارة
وزعامة العَرب،
بعد أن قلت بفروسيّة عنترة
وآمنت بنُبوءة المتنبّي.
أيّها الشّعر العربي تكلّم، قُل شيئاً،
أيّها الضّمير العربيّ تكلّم، قل شَيئاً،
إنّي براءٌ منك لأنّك لم تحرّر القُدس العربيّ.
إنّي براءٌ منك لأنّك لم تقل شيئاً عن وحدة المغرب.
أنا لا أبكي غير وطني، ولا أعبد غير ربّي،
فوطني همّ يَشغل ذهني،
وحُبّه نارٌ تستعر في قَلبي.
أيّها الشّعر العربيّ تكلّم، قل شيئًا،
لماذا تتستّر على جرائم أشباه الرّجال،
وتمدحُهم في الصّحف والمجلاّت والكُتب؟
لماذا تسكُت عن بكاء الأطفال
من البائسين وساكني الخرب؟
إنّي أراكَ قانعاً بمذلّة
الأبطال، يا للعجَب!
أيّها الشّعر العربيّ تكلّم، قل شيئاً،
أيّها الضّمير العربيّ تكلّم، قُل شَيئاً.
إنّي أشكُوك لمحكمة التّاريخ،
فأنت متّهمٌ عندي بالاحتيال والنّصب،
لأنّك ملأت الدّنيا وشغلت النّاس
ولَم تحرّر وطني العربيّ.