تاريخ

3.pdf

غارالدّماء وأصلُ التّسميَة 


بقلم: مصطفى الستيتي

غَارالدّماء، مَدينة لها حُضور تَاريخيّ متميّز سَواء في التّاريخ البَعيد أو التّاريخ القَريب، لكن للأسف مَازال أدْرَاج الكُتب والأسفَار، يَحتاج إلى نَبشٍ وإظهارٍ. تربُض هذه المدينة في أقصى الشّمال الغربي من البِلاد التّونسيّة، ولا يفصلُ مركزَها عن الحُدود الجزائريّة سوى بضع كِيلومترات. الاسم، "غَارالدّماء" أو "غَاردماو" يحتوي على كَلمتين مثيرتين للفُضول والخوف في الوقت نفسه؛ "غَار" وما يَعنيه من غُموض وإحالة على المتَاهات والمَجهول، ثم كلمة "دِمَاء" وما تُحيل عَليه كذلك من دلالات الصّراع والقَتل.

من هذا المُنطلق تَعدّدت التّفسيرات وكَثُرت التّأويلات بشأن أسباب التّسمية. والاسم في الحَقيقة يَجعل كلّ من يسمعه يَشعر برغبة ملحّة فـي معرفة الســـرّ، وكَشفِ الغُموض. بل إنّ البَعض اِختلق من عنده نفسه تفسيراتٍ لا علاقة لها بالوَاقع، ولا يُمكن أن تَكون محلّ قبول. ونذكر هنا أهمّ الرّوايات الموجُودة والمتداولة، ثم نبيّن بعد ذلك التّفسير الذي يُعتبر الأصحّ والأسلم إلى حدّ الآن.

الرّواية الأكثر شُهرة وتداولاً بين هذه التّفسيرات أنّ محطة القطار الموجودة في المنطقة سُميت باسم أحَد الفَرنسيّين ويُدعى "ماو"Maou ، وبالتّالي اِلتصق اسم المَحطة Gare بــ"ماو" فأصبَحت غاردِماو، ثمّ أُطلق الاسم على المنطقة كلّها، وتطوّر الاسم بعد ذلك ليصبح غارالدّماء. وهذا التّأويل لاَ يصحّ إذا عَلمنا أنّ مَحطة قطار غارالدّماء تمّ تشييدها من قبل شركة "عنّابة-قالمة" الفرنسيّة في عام 1880م واِسم غارالدماء كان موجودًا قبل هذا التّاريخ، وهو مُتداول في المراسلات الّتي يُرسلها قَايد الرّقبة (غارالدماء لاحقا) إلى المسؤولين في تُونس. والرّواية الثّانِية أنّ أهالي المنطقة جَابهوا الفرنسيّين ببسالة كبيرة، وسَالت دِماء غَزيرة دفاعًا عن مِنطقتهم، ولذلك سُمّيت المنطقة بـ"غارالدّماء". وهذه الرواية كذلك ضعيفة ولا تقوم على أساس متين لأنّ سكان المنطقة كانوا قَليلين جدّا زمن الغَزو الفرنسيّ لتُونس، ثمّ إنّ المقاومة الّتي وقَعت لم تَدُم طويلاً بسبَب ضعف العُدّة والعَتَاد، وخِلال يَومي 30 أفريل و 1 ماي سنة 1881م كانت قُوات الجِنرال بريم Brem تُسيطر على غارالدّماء بالكَامل.

ورواية أخرى تقول بأنّه يُوجد كَهف أو مَغارة في الجِهة الشّمالية الغربيّة من المدِينة على سفح التّلال المطلّة، وقديما كَانت الحَيوانات المفترِسة مثل الفهود والنّمور والأسُود التي كانت تعيش في الجِبال والغابَات المُحاذِية تَصطاد فَريسَتها وتُجهز عَليها وتَفترسها في هذه الكُهُوف والمغَارات، فسُمّيت المنطقة باسم "غارالدّماء. وهذه الرّواية أقرب إلى الخيال منها إلى الوَاقع لأن الجبال والغابَات المُحيطة بغارالدّماء ليست بتلك الكِبر والكَثافة التي تَجعلها مكانًا تَأوي إليه حَيوانات ضَارية مِثل الأسُود والفُهود والنّمُور.

وتُوجد رواية أٌخرى تَرى أنّ الاسم ليس عربيّا بل هُو بَربريّ، ويَعني وادي العَقارب بسَبب كثرة العَقارب فِي هذه المنَاطق. وأمّا هذه الرّواية فلا يُوجد إلى حدّ الآن مَا يؤيّدها في أي مَصدر من المصَادر التي اِطلعنا عليهَا. ورُبما تُوجد تَفسيرات أخــرى غير هذه التّفسِيرات، والخَيال إذا لم يَصل إلى مَا يُقنعه يظلّ يُحلق ويَبحث عمّا يلبّي فُضوله.

وبعد بحث وتنقيب أمكننا أن نصل إلَى تفسير مَعقول ومقبول إلى حدّ كبير أورده أحدالباحثين الفرنسيّين المتخصّصين في عِلم النّبات وهو لوتورنُو أرِيستيدLetrneux Aristide(1820-1891م). ورد هذا التفسير في تقريره الّذي أعدّه عن أنواع النّباتات في تُونس عام 1887م. والباحث تنقّل في جَميع المناطق التّابعة لغارالدّماء من السّهول المُحيطة بالمدينة وصولاً إلى جِبال الفايجة وكاف النّسور والغُرّة وغيرها. وفي معرض حديثه عن الغطاء النّباتي المُحيط بمدينة غارالدّماء يَذكر ما يلي: "وعِند الرّجوع، نَزور الهِضاب ذَات التُّربة حَمراء اللّون والبَنفسجيّة، وفِـي سَفحها نطلّ عَلى الغَار قَليل العُمق الذي تسمّت غارالدّماء باِسمه". (ص. 10).

وهَــذا التّفسير مَنطقي جدّا لأنّ المنطقة كلها بسُهولها وجِبَالها كانت تسمى "الرّقبة"، وأمّا غارالدّماء فهِي تُطلق أساسًا على المكان الذي تأسّست فيه المَدينة وما حَولها، وُصولا إلـى الغَار الّذي يُوجد بِجوار الهِضاب ذات اللّون الأحمر (قُرب منطقة الملْجَى حاليًّا). وكانت المُراسلات التي تجري بين قَايد المنطقة وسُلطة البَاي في تُونس تَحمل اِسم الرّقبة حتّى حوالي عام 1875م، ثم شَيئا فشيئًا بدأ اسم غارالدماء يَأخذ مَكان الرّقبة. وبعد تَأسيس المَدينة وتَركيز عدد من المؤسساتِ مثل الجَمارك ومركز للبوليس وبَريد ومَدرسة وكَنيسة وغير ذلك، أصبَح اِسم غارالدماء يُطلق على المنطقة كلّها، ثمّ اِختفى اِسم الرّقبة من التّداول.

والتّفسير السّابق الّذي قدمه الخَبير "لوتُورنُو أرِيستيد" مهم جدًّا، فهو رَجل متخصّص وليس من عامّة النّاس، وقبل أن يَقول ما قَال لابد أنّه استند إلى مَعلومات دقيقة لا إلى مجرّد رِوايات تَجري على ألسنة النّاس. ومَهما يكن من أمر، فقد لا يكون هذا التّفسير مقنعًا بشكل نهائيّ لبعض المهتمّين البَاحثين، ولكنّه يُعدّ التّفسير الأقرب لأصل تسمية غارالدّماء إلى حد الآن. وإثارة مثل هذا السّؤال وهذا النّقاش هو في حدّ ذاته أمر إيجابيّ جدًّا، والمرور من مجرّد التّساؤل العشوائي إلى عمليّة البَحث في المصادر والمراجع بطريقة علميّة له أثر كبير في مواضيع أخرى كثيرة، فالأسئلة المطروحة بشأن منطقة غارالدّماء كثيرة، ولعلّ من أهمّها: لماذا هُمّشت غارالدّماء عبر الزّمن رغم ما تتمتّع به من خصائص تاريخيّة وجغرافيّة واقتصاديّة متميزة؟!       



منجم المَعدن بغارالدّماء


بقلم: محمد الوصلي

إنّ "الحماية" في معناها اللّغوي تكتسي بُعدًا إيجابيّا لا يخفى على أحد، ذلك أنّه من المعروف أنّ القويّ يحمي الضّعيف من غوائل الفقر و الجهل و المرض و يرتقي به إلى الأفضل.وقد استعملت فرنسا مفهوم الحِماية عند دخولها إلى تونس وإمضاء المعاهدة مع محمد الصّادق باي مجرّد طُعم لكي تطفئ غضب الباي وحاشيته، وحتّى تحُول دون أيّة مقاومة وغضب من قبل الأهالي. ولكن الواقع فيما بعد، أيْ عندما تغلغلت في مفاصل الإدارة والبلاد كان أبعد ما يكون عن مفهوم الحِماية حيث كان الاستغلال للعباد ولثروات البلاد صارخًا في غياب المقاومة التي توقّفت بعد نكبة 1881م، وفي غياب النّقابة القوية والقوانين التي تحمي حقوق العمّال وثروة البلاد من النّهب التّهريب إلى فرنسا.

في هذا المناخ حيث نشهد عنصرين مختلفين يعيشان على رقعة أرضٍ واحدة؛ الفرنسيّ المحتلّ والتّونسي المقهور، الأوّل يمتلك القوّة والمعرفة العلميّة والتكنولوجيا الحديثة والحضارة المادية القويّة. والثّاني التّونسي المقهور الضّعيف، الفقير المُستغلّ، الأمّي.وخلال الثّلاثينات من القرن الماضي تمّ اكتشاف مادة ثمينة جدًّا في منطقة وادي معدن ألا و هي الزّئبق، إلى جانب الرّصاص وذلك من قبل الخبراء الفرنسيّين. ويوجد المنجم بين وادي معدن ورافد له، ويمتد على مساحة 8 كم2.

من خصائص منطقة المعدن الطبيعيّة أنّها منطقة جبليّة وعرة بجانب وادي ( واد معدن) ونجد غاباتٍ متنوعةً في تكوينها، حيث نجد أشجار الفلّين ونباتات كثيرة أخرى نذكر منها الدّيس وبوحدّاد الخ... أما من حيث الخصائص السّكانيّة فنجد عدّة تجمعات سكنيّة متباعدة (دواوير)، وكانت المساكن في ذلك الوقت عبارة عن أكواخ (قرابة) مبنيّة بالطّوب ومغطّاة بالدّيس،وكان النّاس يعيشون على الفلاحة الصّغيرة محدودة الإنتاج وتربية الماشية، وكان النّمط الإقطاعي يظهر في وجود فلاحة وخمّاسة تربطهم غالبًا علاقات أسريّة ودمويّة.

ومنذ اكتشاف المنجم بدأنا نشهد تحوّلا كبيرًا على عدّة مستويات حيث تمّ فتح طريق وتعبيده من غارالدّماء إلى المنجم بطول حوالي 17 كم، وتركيز معدات ضخمة لمعالجة المواد الأوليّة المستخرجة من المنجم، وحركية هامّة جديدة لسيارات المسؤولين والمهندسين وشاحنات لنقل الرّصاص والزّئبق إلى ميناء بنزرت، ومن ثمّة تصديره إلى فرنسا. كما أقاموا خطّ تيليفيريك téléphérique لنقل بضائع مختلفة. وبعد سنوات قليلة من بداية استغلال المنجم تمّ بناء مساكن لفائدة الفنّيين الفرنسيّين والمهندسين، كما تمّ بناء حانة لهم، وبنوا مدرسة لتعليم أبنائهم (مدرسة المعدن)  .

وبالنسبة إلى عمّال منجم المعدن فأغلبهم من أبناء الجهة، وكانوا يعملون بالسّاعد والرّفش لاستخراج المادّة الخام، أمّا الفنّيون الذين يراقبون ويعتنون بالآلات ومولّدات الكهرباء فهم من الفرنسيين.يتمثل نشاط العمال، وعددهم نحو 300 في حفر الخنادق واستخراج التّراب المشبع بالزئبق أو بالرّصاص ووضعه في عربات صغيرةٍ ثم إخراجه إلى المعالجة.  ومن خلا الوثائق التي مازال البعض يمتلكها من العمال نستخلص ما يلي:

مدى الحيف الذي لحق العمال من قبل السّلطات الفرنسيّة، وهذه المؤسسات التي تستغل المنجم، والسبب في ذلك يتمثّل في تسلّط المستعمر من ناحية وأميّة العمال التي كانت السبب في عدم فهم حقيقي لطبيعة المؤسسات المنتصبة وقت الاستعمار وفي هذه المنطقة بصفة خاصة،لكن يجب أن نشير إلى النّشاط النّقابي فترة الاستعمار حيث نجد لدى بعض العمال اشتراكات تعود إلى سنة 1947م في الاتحاد النقابي لعملة القطر التّونسي (l'union syndical des travailleurs tunisiens : USTT ) وبداية من سنة 1955 بدأ العمّال يتحوّلون إلى الاتّحاد العام التّونسي للشغل الذي انصهر في القضية الوطنيّة من أجل الاستقلال، وقد انبعث هذا الاتحاد بتاريخ 20 جانفي 1946م.

إنّ المتتبع لسيرورة الحياة في المنطقة المنجميّة بالمعدن يلاحظ أنّ غياب النّخبة واستفحال الأمّية، وبُعد المكان عن تفاعلات ونشاط الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار والتي ظهرت بعد الحرب العالميّة الأولى-  مع صدور كتاب الشّيخ عبد العزيز الثّعالبي :"تونس الشهيدة" الذي قدّم إشارات لمعاناة سكان الأرياف- غياب كلّ هذه العناصر ساهم في ركود الحركة النّضالية سواء النّقابية أو السّياسية بهذه الجهة، و ذلك إلى أن تمّ غلق المنجم بسبب نقص كمّية الزئبق.

هذه إذن لمحة عن منجم المعدن وحياة العمّال فيه. وقد تمّ إغلاقه في ديسمبر عام 1955م وتمّ تسريح العمال الذين عادوا إلى حياتهم الرّيفية السّابقة، وخيّم الصّمت على المنطقة بعد صخب وحركة وإنتاج و دويّ الدّواليب والآلات و مولّدات الكهرباء وحركة التّلفريك دامت قرابة 20 عامًا.وجاء الاستقلال وفرح النّاس بالحرّية ولكن لم تتغير الأحوال، خاصة على مستوى نوعية الحياة ماعدا بعض العمّال الذين أقاموا مطاحن مستغلين خبرة تحصلوا عليها في المنجم، وهاجر آخرون إلى فرنسا للعمل هناك، وعدد كبير من هؤلاء بَنوا منازل في مدينة غارالدّماء مودّعين الرّيف وما يوحي به إليهم من حياة صعبة وفاقة مدمّرة .

المراجــــــــــــــــع:

1- المنذر المرزوقي ومحمد الكحلاوي، من ضحايا الاستثمار الاستعماري بتونس، عمال منجم وادي معدن غارالدّماء مثالاً، دار نقوش عربية، الطّبعة الأولى سنة 2008م.

2- عبد الحميد الهلالي، جندوبة 1881 – 1956م علاقة الحركة الوطنية بالأرياف، منشورات المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية 2009م.


بُومدين وقيادته الأركان العامّة في غارالدماء


بقلم: نور الدّين خروف

مع اقتراب السّنة الأربعين لوفاة قامة من قامات الجزائر،اِرتأيت أن أقدّم ملخّصًا لحياة هذه الشّخصية الفذّة إبان الطّفولة، وإبّان الكفاح المسلّحوحياته السّياسية التي يشهد لها كل العَالم. رجل كان له دورٌ كبيرٌ في صنع تاريخ الجَزائر من بداية الثورة إلى نهاية السّبعينات من القرن الماضي. رجلٌ أحبّ شعبه بإخلاص، وبادله أبناء وطنه نفس الشّعور، وحَزنوا كثيرًا لفقدانه لأنّه عمل كلّ ما بوسعه ليرى وطنَه مزدهرًا وشعبَه مرفوعَ الرّأس بين شُعوب العالم. هذا الرّجل هو هوّاري بومَدين.

1- المولد والنّشأة

ولد محمّد بوخرّوبة يوم 23 أوت 1932م بدوّار بني عدي غرب مدينة ڨالمة. نشأ وسط أسرةٍ فقيرةٍ تتكوّن من 9 أفراد. والده إبراهيم، وأمّه السّيدة تونس بوهزيلة. وإخوته الذّكور هم: عبد الله والسّعيد ومحمد بوخرّوبة. أمّا البنات فهنّ: الزّهرة والعَارف ويمينَة وعائشة. أُرسل إلى الكتّاب في سنّ الرّابعة، وحفظ ما تيسّر من القرآن الكريم وتعلّم القراءة والكتابة. وفي السّادسة من عمره التحق بالمدرسة القرآنية. وتميّز الطّفل محمد عن أقرانه بسرعة الحفظ وحبّه الشّديد للعلم.

كان لا يتحدّث كثيرًا وشديد الحياء. بعد نهاية الحرب العالمية الثانيّة نظم حزب الشّعب المحلّ مظاهرات سلمية لمطالبة فرنسا الوفاء بوعدها لمنح الجزائريّين حقّ تقرير مصيرهم، لكنّ القوات الاستعمارية تصدّت بالقوة للمتظاهرين، وقتلت أكثر من 45000 جزائريّ وجُرح الطّفل بوخرّوبة في ركبته اليُسرى، وازداد حقده على الاستعمار الفرنسيّ، وتأكّد كغيره من الجزائريّين أنّ المستعمر لا يعترف إلا بلغة الحديد والنّار. وعندما نال الشّهادة الابتدائية عاد إلى قريته وبدأ يدرّس الأطفال القرآن الكريم ومبادئ اللّغة العربيّة.

2-بومدين في القاهرة

لم تكن قسنطينة كافية لتلبّي رغبة الطّفل الصغير محمد بوخروبة للنّهل من العلم، فقد كانت أحلامه أكبر من ذلك. كان الطفل محمد بوخروبة مستعدّا للمخاطرة بحياته من أجل تحقيق حلم العمر وهو الدّراسة في الأزهر الشّريف. بالنّسبة إليه لم تكن كلّ الطرق تؤدي إلى روما وإنّما تؤدي إلى القاهرة. وكان عليه أن يخوض أغرب مُغامرة في حياته وهي أن يقطع 4500 كلم مشيًا على الأقدام في مدّة لا تقل عن مئة يوم، فوجد صديق طفولته الأستاذ محمد الصّالح شيروف ليرافقه إلى القاهرة والالتحاق بجامع الأزهر.

ومن غرائب الأقدار أن انطلقت الرّحلة في يوم غرة نوفمبر1951 في سرّيّة تامّة، ولم يكن مع الصّديقين إلا البطاقة المدرسيّة. وأهم المدن التي تم اجتيازها هي قسنطينة، تبسة، صفاقس، بن ڨردان، طرابلس، بنغازي، مرسى مطروح، الإسكندرية، القاهرة. وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من السّير مشيًا على الأقدام وصل محمد بوخرّوبة وصديقه إلى القاهرة يوم 15 فيفري1952. وأثناء دراسته بالقاهرة كان بوخرّوبة يقضي معظم وقته في مطالعة المجلاّت والكُتب، خاصّة التي تتعلق بالتّاريخ الإسلامي وزعماء حركات التحرّر في العالم. وكان يحضر بانتظام للنّدوات والمُحاضرات التي كان يلقيها المَشايخ والعلماء بمركز الإخوان المسلمين.

3- دوره في الثّورة الجزائرية

عند اِندلاع الثّورة الجزائرية أصبح محمّد بوخرّوبة يفكّر في الالتحاق بصُفوف المُجاهدين. اِتصل بالسّيد أحمد بن بلّة رئيس المكتب العسكري للثّورة الجزائريّة. فلبى السيد بن بلة رغبة بوخرّوبة، والتحق بأحد المراكز العسكريّة المصريّة، وهناك أشرف على تدريبه ضباط مصريّون. ثم أرسل إلى العِراق لمواصلة التّكوين العسكريّ. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من اِندلاع الثّورة عانى المُجاهدون من قلة الأسلّحة، وهو ما أدّى بقادة الثّورة بالدّاخل إلى الاتّصال بالوفد الخارجي للثّورة المتواجد بالقاهرة بهدف إرسال حمولة من السّلاح إلى الجزائر.

وبعد ضبط كلّ الأمور والتّرتيبات رافق هذه الحمولة بوخرّوبة وثلّة من الطلبة الجزائريّين بالقاهرة لتنفيذ هذه المهمّة المَحفوفة بالمخاطر. وفي 27 مارس 1955 انطلقت السّفينة "دينا" من بورسعيد في سرّية تامّة نحو المملكة المغربيّة. وبعد ثمانية أيّام من الإبحار وصلت الحمولة إلى النّاظور بالمغرب يوم 04 أفريل1955م.

وفي النّاظور التقى محمد بوخروبة بقائد منطقة الغرب الجزائري محمد العربي بن مهيدي، وبعد تناول الحديث معه أعجب به أيّما إعجاب لذكائه ونبوغه وإلمامه بما يجري في ساحات الوَغى وكيفيّة تطويرها، وإعطاء نفس جديد للثورة.

بعد الحديث معه صاحبه إلى مركز القيادة، وأمر عبد الحفيظ بوصوف بتعيينه بالأركان لأنّه رأى فيه الرّجل المحنك وصاحب الذّكاء الوقّاد. وصدق حدس الشّهيد العربي بن مهيدي نحو هذا الشّاب الطّموح الذيصار له،بعد مدة قصيرة، باعٌ في إدارة المعارك ونصب الكمائن للعدو الغاشم.

ثمّ عيّن في أهم المناصب لقيادة الأركان العامة إلى أن يُصبح رئيسًا للجمهورية الجزائريّة المستقلة مدّة 13 سنة. واختار محمد بوخرّوبة اِسمه الثوريّ المركب من: هواري بومدين تيمّنًا بالوَليّين الصّالحين سيدي الهَوّاري بوَهران، وسيدي بُومَدين بتلمسان، وتكفّل بجمع المؤونة والأسلحة وتدريب المجاهدين على استعمال السّلاح ونصب الكمائن.

وبعد انعقاد مؤتمر الصّومام في 20 أوت 1956 أصبح قائدًا للولاية الخامسة (الغرب الوَهراني) ومحمد العربي بن مهيدي عضوًا في لجنة التّنسيق والتنفيذ، وتولّى المجاهد عبد الحفيظ بوصوف قيادة الولاية الخامسة، وعيّن المجاهد هواري بومدين نائبًا له. وفي سنة 1957 أصبح بومدين قائدًا للولاية الخامسة برتبة عقيد وعضوًا في مجلس الثّورة، وفي سنة 1958 تولّى قيادة الأركان بالنّاحية الغربيّة ، وفي جانفي 1960 أصبح قائدًا للأركان العامة بغار الدّماء.

4- قيادته لهيئة الأركان العامة في غارالدّماء

خلال انعقاد المجلس الوطني للثّورة بطرابلس ما بين1959 و1960 أقرّ إنشاء هيئة الأركان العامّة بتاريخ 06 جانفي 1960م، وعُيّن على رأس هذه الهيئة الحسّاسة العقيد هوّاري بومدين كمسؤول سياسيّ وعسكري، وعيّن معه ثلاثة نواب: ڨايد أحمد، علي منجلي، وعزّ الدّين زراي. وأخذت هذه الهيئة على عاتِقها كلّ المسؤوليات السّياسيّة والعسكريّة، واختير مقرّها ببلدة غارالدّماء التّونسية لقربها من الحدود الجزائريّة، وبوجود عدد هائل من اللاّجئين الجزائريّين، وكذلك لقرب مراكز جيش التّحرير الوطني المُرابطة بعين دراهم وعين سُلطان بغارالدّماء وملاّڨ والكَاف.

ومن مقر الأركان العامة بغارالدّماء يَنطلق التّخطيط لكلّ المَناطق والوِلايات الدّاخلية، لبعث نفس جديد لمقاومة العدوّ الغاشم ووضع الثّورة المجيدة على الدّرب السّليم، بعد أن سادَها نوع من الفوضى والعشوائيّة على جميع الجبهات وبخاصة الجهة الشّرقية. وفي القواعد الخلفيّة أسندت مهمة قيادة العمليّات إلى المجاهد البطل عبد الرّحمان بن سالم للإشراف على العمليّات بالشّمال، وصالح السّوفي قائدًا للعمليّات بالجنوب. ومن أهمّ الضّبّاط بالقواعد الخلفية للشّمال: الشّادلي بن جديد، عبد الرّحمان بن سالم، عبد الغني، شابو عبد القادر الذي كلف بإنشاء مركز لرسكلة الجُنود والتّدريب على مختلف الأسلحة والقتال وذلك بمنطقة الزّيتون والتي لا تبعد عن مقر الأركان سوى حوالي 7 كلم فقط. وبمنطقة الجنوب صالح السّوفي، السّعيد عبيد، وأقصى الجَنوب المجاهد محمود ڨنز.

5- وفاة هوّاري بومدين

في شهر سبتمبر1978 سَافر إلى دمشق بسوريا للمشاركة في مؤتمر جبهة الصّمود والتّصدي. وعلى غير عادته طلب الرّئيس بومدين من الوفد تقليص مدّة إقامته في سوريا لأنّ حالته الصّحية لا تسمح بذلك، وعاد إلى أرض الوطن. أجرى الدّكتور عبد الحق أوشريف التّحاليل الطبّية على الرّئيس بومدين، وبينت هذه التّحاليل الطبّية على الرئيس أنّه مُصاب بسرطان المَثانة. وفي أكتوبر من السّنة نفسها سافر الرّئيس بومدين إلى الاتّحاد السّوفياتي سابقا لتلقّي العلاج. وعندما أعاد الأطبّاء الرّوس التّحاليل، أظهرت أنه مصاب بمرض"والدن ستروم"، ومن أعراضه تجلّط الدّم في المخ.

وبعدما عجز الأطبّاء الرّوس عن مداواته عاد الرّئيس بومدين إلى الجزائر. وفور وصوله عقد اجتماعًا مع أعضاء حكومته ومجلس الثّورة وطمأنهم على صحّته. لكن حالة الرّئيس بومدين ازدادت سوءً، ونقل في 18 نوفمبر 1978 م إلى مستشفى مصطفى باشا بالجزائر العَاصمة، ووضع تحت العناية المركزة، وزاره أطباء كثيرون من دول العالم، لكنّهم فشلوا في مهمّتهم، وبقي الرّئيس بومدين في غرفة الإنعاش إلى أن فاضت روحه إلى المولى عز وجل صباح 27 ديسمبر1978م. دُفن بمربّع الشّهداء بمقبرة العالية بالعاصمة. ومات الرئيس بومدين ولم يترك في رصيده البنكي سوى 6 آلاف دينار فقط بعد 13 سنة من الحكم ، وإلى يومنا هذا لا يزال السّبب الرئيسي الذي أدّى إلى وفاة الرّئيس بومدين مجهولاً.



آثارمن البلادِ التّونسيّةِ (شِمتو)


تعربب: مكرم عزيزي

للوُصولِ إلى شِمْتو يوجد مسارانِ مُمْكنانِ أحدها يبلغ طوله 25 كيلومترا عبر سوق الأربعاء-غار الدِّماء إلى حدود محطّة وادي مْليز، ومن ثمّة طريق فلاحيّة غير معبّدة –وهي بحالة سيّئةٍ- توصل إلى الآثارِ الظَّاهرةِ من بعيد بعد أن تكون قد عبرت وادي مجردة بسهولة. والطّريق الأخرى تتَّبع طريق عين دراهم إلى حدود الجِسرِ الحَديديّ.

إثر ذلك توجد طريق فلاحيّة، والتي نعتزم تهيئتها تنفصل على يسارِ الطّريقِ ملتوية عبر حقول الشعير و تؤدّي أوَّلا إلى "برج هلال"، وهو برج بيزنطيّ قديم، ومن ثمة إلى منطقة شِمْتو وإلى الآثار الموجودة هناك. والمسافة عبر هذه الطّريق لا تتجاوز العشرين كيلومترًا. والجولة في شمتو مهمّة جدًّا، فمن هنا أُستُخرِجَ "المرمر النّوميديّ " المشهُور.

قبل الحرب تمّ تركيز مصنع لاستغلال هذا الرّخام الذي صَنَعَ منه الرُّومان أشياء جميلة للتتويج، لكنَّ هذا المصنَع لم تنجح، وبإمكان الزّائرِ معاينة الآلاتِ الضّخمة، آلات القطعِ عالية المهارة متوقّفة في ذروة إنتاجها (وكأنَّ يدًا خفيّةً جمَّدتها) قابعة في مكانها،صامتةً، متروكةً لنوائب الدَّهر مثل منهوبات السّكان المحلّيين .

أمَّا أقلّ الفوائدُ التي تقدِّمها شمتو للسّائحِ أو عالمِ الآثارِ، فإنه من النّاحية الغربية للمصنع يتراءى المسرحُ، والمَعبدُ على ضفة وادي الملاح والذي يتدفّق على يسار وادي مجردة،
وأبعد بقليل توجد بقايا حنايا ضخمة وجميلة تمتدُّ على السّهول المشمسة.

ولا تزالُ الأقواس شامخةً تذكر بهيكلِهَا الذي اشتهر بفضل الصّورة والطّابع البريدي لحنايا باردو، والمعلم الآخر الذي يجلبُ اهتمامَ الزائرِ هو الجسرُ "السّدّ" والذي يهيمن يقف في وجه وادي مجردة بضخامته وعظمته. مقاطعُ ضخمةٌ تملأ قاعَ الواد غير تاركةٍ للمياهِ المنخفضةِ سوى مَمَرٍّ ضيِّقٍ أو من خلال فيضانٍ محدثةً شلاّلاتٍ صاخبة.ولا يزال هذا الصّرح الفنّي من جهة الضفّة اليمنى سليمًا وأتلف منه فقط الجزء المُلاَمِسُ لمصبِّ الضّفّةِ اليُسرَى،  مَصَبٌّ يُعتقدُ أنَّهُ أُحدِثَ بفضلِ التيّاراتِ المائيَّةِ في السّدِّ أو ربّما نتيجة تغيّر في قاع الوادي .

يومٌ واحدٌ كافٍ لزيارة شمتو، فإذا كنّا قد أتينا راجلين من سوق الأربعاء عبر برج هلال يكون من السّهل امتطاء قطار السّاعة 19 و 25 دق من محطة وادي مليز والذي خلال نصف ساعة فقط يُوصل السّائح إلى سوق الأربعاء. وعلى بعد 40 كيلومترا، وباتّباع طريق سوق الأربعاء- طبرقة نصل إلى فرنانة أين تنتصب يوم الأحد سوق محلّية مهمّة، وعلى بعد كيلومترات من ذلك ندخل الغابة، وفيها أشجارٌ عملاقةٌ وروائح مختلفة وموقع رائع ومشاهد فاتنة. وتحت الأشجار تحوّل الأضواء كلّ شيء إلى مناظر خلاّبة تسحرُ لبّ الزّائر.

ومن أجمل ما هنالك كذلك رحلة صيدٍ الخنزير البرّي المنتشر بكثافة في المنطقة بعد التّنسيق طبعًا مع السّكان المحليين.وعلى بعد ثلاثة وأربعين كيلومترا من سوق الأربعاء يُوجد مركز عين دراهم الصّغير على ارتفاع حوالي 1000 متر ومحطّة صيفيّة يرتادها خاصّة جنود الإيالة الباحثين عن الشفاءٍ من الملاريا أو من اِكتئاب مناخ الصّحراء التّونسيّة .

المصدر:

- La Vie algérienne, tunisienne et marocaine, Revue illustrée du dimanche, Lettres, arts, sports, Paris 1925, p. 5.


23 جانفي 1961م: في ذكرى القصف الفرنسي لمنطقة الزّيتون بغارالدّماء

بقلم: مصطفى الستيتي

ظلت أحداث منطقة الزّيتون التي وقعت في شهر جانفي سنة 1961م غامضةً ومجهولةً لدى أغلب سكان منطقة غارالدّماء فما بالك بالمناطق الأخرى، ولا يَذكُرها النّاس إلاّ قليلاً، باستثناء كبار السنّ الذين عاشوا في تلك الفترة. وهي أحداثٌ مهمّة للغاية إذ سالت فيها دماء تونسيّة زكيّة بسبب القصف الذي نفّذته القوات الفرنسيّة في داخل التّراب التّونسي على إثر اتّهام التّونسيين بمساندة الثّوار الجزائريين. ولا ندرى بالتّحديد الأسباب التي جعلت الدّولة التّونسية تتجاهل هذه الأحداث وتضرب عنها صفحًا، ولا توليها الأهمّية التي أولتها لأحداث ساقية سيدي يوسف بجارتها الكَاف، رغم أهميتها والظّرفية الاستثنائية التي وقعت فيها.

وهنا لابد من التّذكير بمعطيات مهمة تكشّفت لنا بعد البحث والتقصّي في الأرشيف الوطني التّونسي، ولدى من عايشوا مرحلة الثّورة الجزائريّة ما بين 1954 و 1962م من التّونسيين والجزائريّين. فلقد أثبت شهود العيان، وأثبتت الوثائق أنّ منطقة غارالدّماء الواقعة على الحدود التّونسية الجزائرية من جهة الشّمال الغربي كانت تمثّل مركزًا لقيادة جيش التّحرير الوطني الجزائري بالمنطقة الشّرقية بقيادة هواري بومدين وزعماء آخرين مثل الرّئيس الأسبق الشّادلي بن جديد وعبد الرّحمن بن سالم وغيرهم.  ولعل متحف الذّاكرة المشتركة التّونسية الجزائرية في مركز المدينة يعدّ اعترافًا بسيطًا بهذا التّضامن بين الشّعبين الشّقيقين التّونسي والجزائري، بيد أنّ نشاطه ظلّ محدودًا جدّا وباهتًا ومجهولا حتى لدى أبناء الجهة أنفسهم، ولابدّ من تفعيل نشاطه الثّقافي والتّاريخي.

الأمر الآخر أنّه بعد اِندلاع الثّورة الجزائريّة عام 1954م لجأت أعداد كبيرة جدًّا من الجزائريّين إلى داخل التّراب التّونسي قدّرت بنحو 88 ألف لاجئ، وتمركز هؤلاء اللاّجؤون في مناطق مختلفة من غارالدّماء، وخصوصًا في القرى الجبليّة مثل عين سلطان والفايجة وكاف النّسور وقبر زهير ومسيوة والفدّان والعيون وغيرها من المناطق. وكانت منطقة الزّيتون قاعدة للتّدريب العسكري للثّوار الجزائريّين، ومن هنا استهدفها الفرنسيّون بالقصف من داخل التّراب الجزائري ممّا أسفر عن استشهاد 4 أشخاص منهم 3 نساء.

وقد نقلت صحيفة الصّباح في عددها رقم 2627، والصّادر بتاريخ 7 شعبان سنة 1380/ الموافق لــ 24 جانفي 1961م معلومات مهمّة ومفصّلة عن هذه الحادثة، وقالت إنّ خطورة هذه الأحداث تذكّر بأحداث ساقية سيدي يُوسف بالكاف التي وقت بتاريخ 8 فيفيري سنة 1958م والتي راح ضحيّتها 79 شخصًا من بينهم 11 امرأة و20 طفلاً وأزيد من 130 جريحًا. وقالت الصحيفة "صوّبت المدفعيّة الفرنسيّة المنتصبة بالجزائر نيرانها نحو التّراب التّونسي وقذفته بما يقرب من 500 قذيفة، واستمرّ القذف من منتصف النّهار إلى الساعة الواحدة بعد الزوال، وتسبّب في عدد من الموتى والجرحى".

وقد أصدرت كتابة الدّولة للدفاع الوطني بلاغًا جاء فيه:

"تُعلن السّلطات العسكرية التّونسية أن القوات الفرنسيّة وطيرانها المرابطة على الحدود التّونسية الجزائرية ارتكبت عدّة حوادث خلال أيام 21 و 22 و 23 جانفي.ففي يوم 21 جانفي حلقت طائرة من نوع ب 26 على جهة عين سلطان.  وفي يوم 22 جانفي أطلقت المدفعية الفرنسية المرابطة بالجزائر نيرانها على مركز روى (معتمدية غارالدماء) حيث أحصيت 80 قذيفة من عيار 105، وعلى مركز الحمام (معتمدية عين دراهم) حيث عُثر على 100 قذيفة من عيار 105، وعلى العين الصّغيرة والعين الكبيرة حيث عمدت الدّبابات الفرنسيّة إلى قذف التّراب التونسي فتحطّمت إحداها عند مرورها فوق لغم. وكانت الطّائرات الفرنسية تقوم بنشاط حثيث في هذه الأماكن، وأسفرت هذه العمليات عن أضرار مادّية".

وفي يوم 23 جانفي قامت المدفعية الفرنسية المرابطة بسيدي الهميسي في التّـراب الجزائري بإلقاء 20 قذيفة من عيار 105 على جهة بلاد الزّيتون، فاستشهد أربعة مدنيين من بينهم 3 نساء وهم؛ الحبيب بن عمر بن عمارة (25 عاما)، فاطمة بنت عمر بن علي (35 عاما)، فضّة بنت عمارة بن العابد (18 عاما)، فضّة بنت عمارة (18 عاما). كما ألقيت في نفس اليوم 160 قذيفة من عيار 105 بالقرب من مركز روى، و200 من عيار 105 بالقرب من مركز الحمام (معتمدية عين دراهم) و75 بالمكان المعروف بالسطاطير (معتمدية غارالدماء).

ورغم الخسائر التي لحقت بالتّونسيّين جرّاء احتضانهم لإخوانهم الجزائريّين ودعمهم لهم فإنّهم لم يتخلّوا عنهم، وبقيت غارالدماء والمناطق التّابعة لها قاعدة انطلاق لكثير من عمليّات المقاومة والهجوم ضدّ المحتل الفرنسيّ في الجزائر إلى أن أُعلن عن الاستقلال عام 1962م ورجع اللاّجؤون الجزائريّون والثّوار إلى بلادهم في أجواء هي خليط من الحزن والفَرح كما صوّر لنا ذلك السّيد نورالدّين خروف أحد أبناء الثّورة والذي أقام في غارالدّماء أثناء سنوات الثّورة عندما كان تلميذًا في مدرستها، ورجع إليها بعد عقود من الغياب، كان السّيد نورالدّين القادم من عناية يحدّثنا والدّموع تفيض من عينيه شوقًا لتونس وحبّا لها واعترافا بالجميل الذي لَقيه من أبنائها.      


تم عمل هذا الموقع بواسطة