اعرف بلادك

المحمية الوطنيّة بالفايجة

 

بقلم: محمد الوصلي

 

 

 

الحديقة الوطنية بالفايجة هي حديقة وطنيّة تقع قرب الحدود التّونسية الجزائريّة، على بعد 195 كم من العاصمة و 17 كم عن مدينة غار الدّماء و49 كم من مركز الولاية جندوبة. وهي تمسح 2632 هآ. وتضم أجمل غابات الزّان والفرنان بشمال أفريقيا. تأسّست هذه الحديقة الوطنية عام 1990م.

 

 

 

أصناف الحيوانات بمحميّة الفايجة

 

تضم الحديقة الوطنية بالفايجة حولي 25 نوعًا من الثّدييات، ويمثل الأيل الأطلسي (أو الأيل البربري) أهمّ الحيوانات التي تميز غابة الفايجة والتي من أجله أحدثت محميّة خصّصت لحمايته ورعايته، كما نجد الخنزير الوحشيّ الذي يتذمّر منه سكّان الغابة و سكان الأرياف عمومًا بسبب ما يُحدثه من خسائر في المزروعات و ما يشكّله من خطرٍ على النّاس خاصّة عند التّزاوج، ولكن المهتمين بشوون البيئة ينسبون له عدّة مزايا أهمّها حرث الأرض لردم البذور.

 

أما ثعلب الأطلس والزّيردة والدّلدل فهي من اللّبونات التي كانت ولا زالت تعيش بالحديقة، ويعدّ السّبع من الثّدييات التي تمّ إعادة إحيائها بالحديقة، هذا إلى جانب النّمس الذي يعيش خاصة بالأحراج، والذي يُعرف بحدّة بصره، وهو ماهر في صيد الأفاعي، إذ رغم فقدانه لجهاز مناعة يحميه سمّ الأفاعي فإنّه لا يخشي مصارعتها.

 

ومن الخفافيش ما يختار تجاويف الأشجار الغابيّة لتقيم فيها،إذ يطيب العيش للخفاش الصّغير في تجويف أشجار الفرنان.

 

وتعدّ الطيور أكثر من 100 نوع، تختلف بين مهاجرة وقارة، فيعيش نقار الخشب في غابة الزّان صحبة النّقار الأخضر والنقار الشّامي الذي يتغذى من الحشرات واليرقات التي يستخرجها من بين قشور جذوع الأشجار بواسطة منقاره الصّلب، والذي بفضل ذنبه النّاعم يستند إلى جذوع الأشجار ليقف. كما يقوم البوحريش بدور حارس الغابة،إذ بصوته المميزّ يحذر بقية حيوانات الغابة من الخطر الذي قد يطرأ فجأة. وممّا يميز هذا الطير كذلك قدرته على تقليد أصوات الطيور الأخرى.

 

ويعتبر صقر بولحناش، كما يدلّ عليه اسمه من الطيور التي عرفت بملاعبتها للثّعابين التي تتغذى بها. ومن الجوارح كذلك تلك التي اختارت القمم الصّخرية لتعشّش فيها وتراقب من أعلاها فريستها. فمنها ما لها طباع نهاريّة مثل السّاف والبوجرادة الذي يعيش بكاف النّقشة وكاف السّتاتير. أمّا الزّواحف والضفدعيّات فقد أحصي منها 21 نوعًا، حيث تعتبر سحليّة الجزائر وسحلية الجدران وشحمة الرّمل وأبو بريص من السّحالي الأكثر انتشارًا بالفهوات الصّخرية للحديقة.

 

أمّا أفعى لتاسط والأفعى الموريكانية فلا توجدان إلاّ بقلّة في بعض الأماكن من الحديقة. غير أن حفث نعل الفرس، وحفث القافية وحفث مونوبيليه فهي متواجدة بكثرة بالأحراج. ومن الضّفادع ما اختارت مجاري المياه والعيون لتعيش وتتكاثر فيها، حيث نجد ضفدع الشّجر، وتعيش الضّفدعة أم بلعوم صحبة الضّفدع الضّحاك على حافة وادي الشّهيد ووادي البطحاء.

 

أما بين جذوع نبات الدّيس فتقطن السّلحفاة الرّومية مختبئة عن الأخطار. وللحشرات مكانة هامة بالفايجة حيث أنّ السراعيف الرّاهبة التي تتسبّب في الضغط على بقية الحشرات الأخرى من الحنضب والقرنبي والعصوية، إضافة إلى أعداد وفيرة من النّحل. هذا بالإضافة إلى عدد وفير من الفراشات الجميلة مثل الفراشة القمريّة المذنّبة وفراشة كليوبترا التي ترعى بالحديقة.

 

سيد الغابة

 

يعد الأيل الأطلسي من أجمل الثدييّات بالحديقة، إذ يتميز بوبر بني اللّون، قاتم في فصل الشّتاء وباهت في الصّيف مع وجود علامات بيضاء بالجانبين. وللأيل بطن وخاصرة باهتتا اللّون وذيل قصير كستاني اللّون في أعلاه. ويختلف وزن الذّكر عن الأنثى، إذ يتراوح وزن الذكر بين 150 و220كلغ، أمّا الأنثى فيتراوح وزنها بين 100 و150 كلغ. ويبلغ ارتفاع غاربه 140 صم وطول جسمه يختلف بين 130و 140صم من فرد لآخر.

 

ويتمتّع ذكر الأيل على خلاف الأنثى بقرون متشعبة ذات اللّون الكستاني والذي يصل طولها 120صم ووزنها يتجاوز أحيانا 3.5كلغ، ثم إنّه بفضل عدد عقد هذه القُرون يمكن تحديد سنّ الأيل حيث تساوي كلّ عقدة سنة من عمره. ويسقط الأيل قرونه مرّة كلّ سنة في شهر فيفري ومارس ويعوّضها بفروع إضافيّة.

 

 

 

أصناف النباتات بالحديقة الوطنية بالفايجة

 

 تغطي الثّروة النّباتية بالحديقة مساحة 2632 هك، وتتنوّع بتنوع عواملها المناخية والطبوغرافية والجيولوجية ونوعيّة الأرض. حيث تعتبر الفايجة أهمّ منطقة في سلسلة جبال خمير من حيث عدد النّبات ووفرتها،إذ تكسو مرتفعات الفايجة غابة الزّان التي تمتد على مساحة 1362 هك، وغابة الفرنان التي تمتدّ على مساحة 234 هك، غير أن 655 هك من مساحة الحديقة مغطّاة بأشجار الزّان والفرنان معًا.

 

تضفي غابة الزّان على الحديقة جمالاً يميّزها على جميع الحدائق الوطنيّة الأخرى، غير أنّ في فصل الخريف تجرّد الرّياح أشجار الزّان من أوراقها، لتجددها في فصل الرّبيع على عكس أشجار الفرنان التي تحتفظ بأوراقها طيلة السّنة، ولا تعوضها إلا كلّ سنتين تدريجيًّا. وتهدي أشجار الفرنان قشورها أو الخفاف للإنسان فيقع جمعها مرّة كل 12سنة.

 

على عكس أشجار الزّان تمنح أشجار الفرنان بشكلها وتباعدها الواحدة عن الأخرى الظروف الملائمة لتعيش العديد من الشّجيرات والعشيبات تحت جذوعها. فنجد شجيرات الرّيحان والياسمين البرّي وشجيرات المليّة، وشجيرة الذّرو و الأرنج. ومع مرور الزّمن تكون غطاء نباتي جديد يميز الأحراج يتكون من نبات القندول والقتم والديس، وذلك نتيجة ما ألحقته النّيران والرّعي بالغطاء النّباتي. كما أنّ للبوحدّاد مكان هام بين نباتات الأحراج. وداخل الغابة تنمو كذلك نباتات غريبة مثل الفطريّات كالبولطيس والإناتية اللّتين تشكّلان غذاء الثّعالب والزّيردة.

 

وبهذه المناطق أيضا نجد فوق جذوع الأشجار وأغصانها نباتات بحكم تركيبتها الفيزيولجية تحبّذ الظلّ، مثل الحزاز ونبات اللّبلاب ونبات (sedum). كذلك. وبهذه الغابة يعيش نبات الرّند والسّعتر الملكي والعود الأحمر وعود الماء أو التّاشة والتي أهدت اسمها لعين التّيشة بحديقة الفايجة. كما تضمّ الحديقة مجموعةً من النّباتات المهدّدة بالانقراض ومن أهمها: السّحالي التي تميّز غابة الفايجة بجمال أزهارها، ونبات الحلحال والدّفلة والعنصل والوزان، ونبات السّرخس الّذي منذ عشرات آلاف السّنين كونت أسلافه الغابة البدائية.

 

دور المحمية بالحديقة الوطنية بالفايجة

 

 كان ولا زال الإنسان يستغل نبات الرّيحان والحلحال لاستخراج زيوته للتعطّر واستعمال سحيقه لمعالجة آلام مختلفة. كما استغل أيضًا سكّان الغابة خشب الزّان والذرذار لبناء المساكن وصناعة الأدوات الفلاحية والمنزلية. كما كانت ولا زالت قشور الفلّين أو الخفّاف تستعمل لصناعة خلايا النّحل والتّحف والأدوات المنزلية نظرًا لجمالها وخفّة وزنها. بيد أن الاستغلال المفرط للخيرات الطبيعيّة بالجهة خلق ضغطًا على الغطاء النّباتي وعلى الثروة الحيوانية التي انقرض منها جزء هائل، حيث اندثر الثّور البرّي منذ العهد الرّوماني نتيجة الإفراط في صيده،كما انقرض الأسد مع أوائل عام 1900م، فهو الذي كان يمثّل سيّد الغابة منذ قرون. وبقيت بعض الوحوش مثل الكركيل إلى حدّ عام 1930م، ثم انقرضت لتترك تاج الملوكية للأيل الأطلسي الذي كاد ينقرض بدوره.

 

لهذه الأسباب كانت الحاجة ماسة لحماية هذا الفضاء الطبيعي، وقد انطلقت هذه الحماية مع إحداث مركز للغابات بالفايجة عام 1908م يقع من خلاله التصرّف بحكمة في الثّروة الغابيّة والحيوانية. وفي عام 1962م أنجز سياجٌ لمحمية تمسح 417 هك قصد حماية قطيع الأيل الأطلسي المتبقّي ومساعدته على تنمية أعداده وتكاثرها. وفي عام 1966م أدرجت محميّة الفايجة ضمن قائمة محميّات الصّيد البرّي. وفي عام 1990م توسّعت المحمية إلى حديقة وطنيّة على مساحة 2632 هك بمقتضى أمر رئاسيّ. مؤرخ في 04 جوان 1990م فتمّت صيانة الحديقة بسياج دائريّ على مسافة 32 كلم، وشهدت برنامجًا كاملاً من أعمال التّهيئة. وفي عام 1999م بعثت الجمعيّة ذات المصلحة المشتركة لمتساكني غابة الفايجة وهي تجسيم للتّنمية المستديمة بالجهة.

 

المراجــــع:

 

دائرة الغَابات جندوبة، دليل الحديقة الوطنيّة بالفايجة، مطبعة فن وألوان، الطّبعة الثّانية، دون تاريخ.

 

Luis Carton, Nord-Ouest de la Tunisie, Paris 1912.

 

Émile Violard, La Tunisie du Nord, Tunis 1906.

 

A. Letourneux, Exploration Scientifique de la Tunisie, Paris 1884.

 

تم عمل هذا الموقع بواسطة