أضواء على ندوة تاريخيّة في غارالدّماء
بقلم: آية كحلاوي
بتاريخ 21 جانفي 2018م شهدت مدينة غارالدّماء في أقصى الشّمال الغربي من الجُمهورية التونسية تنظيم المنتدى المغاربي للتّواصل والشّراكة بالتّعاون مع جامعة جندوبة ومركز النّشر الجامعي واتّحاد المؤرخين الجزائريين، وهو حدثٌ ثقافي مهمّ وهو الأول من نوعه بهذا المستوى. كان هذا الملتقى الأوّل تحت عنوان "الحدود مجال عازل أم فاعل".
وقد تخلّلت هذه التّظاهرة زيارة إلى متحف الذّاكرة المشتركة التّونسية الجزائرية بالمدينة، ثمّ تحول المدعوون إلى المركب الثقافي بالمدينة، وهناك تمّ إلقاء خمس محاضرات قدّمها أساتذة جامعيّون من تونس والجزائر. وتحدثت المحاضرات عن أهمّية الحدود و دورها في تحقيق المساندة بيت الشّعبين المتجاورين التّونسي والجزائري، وما قدّمه أهالي غارالدّماء أو غاردماو لأشقائهم الجزائريّين من دعم ضدّ الاستعمار الفرنسي إبان ثورة التحرير من عام 1954 إلى عام 1962م.
كما حضر النّدوة شهود عيان ممّن تسنّت لهم فرصة مواكبة الأحداث زمن الثّورة . وما يبعث السّعادة هو الصّدى الطّيب والتفاعل الإيجابي مع هذا الملتقى فكان الحضور كبيرا ولافتًا، وكانت القاعة مكتظة، فنادرًا ما تشهد المنطقة تظاهرات ثقافيّة وتكون مؤثّثة بحضور هامّ لاسيما من الكهول. ولاشك أنّ أهمية الموضوع وعلاقته المباشرة بتاريخ المنطقة له دور كبير في جذب هذا العدد من المتابعين.
وطبعًا ليست مصادفةً أن تتم فعاليات هذا الملتقى في شهر جانفي و إنّما كان ذلك تزامنًا مع ذكرى أحداث منطقة الزّيتون التي وقعت بتاريخ 23 جانفي 1961م، والتي سقط فيها 4 شهداء من أبناء المنطقة. فقد قصفت المدافع الفرنسية منطقة الزّيتون بالمدفعيّة انتقامًا منها لمساندتها الثوار الجزائرييّن.
أقيمت هذه النّدوة بهذه المناسبة لكي لا ننسى ولكي لا تضيع ذاكرة الماضي في زحمة الحاضر ودوامته، ذلك أن التّاريخ كما قال العلّامة ابن خلدون "في ظاهره لا يزيد عن الإخبار و في باطنه نظر و تحقيق" . وقد كان لغارالدّماء دور عظيم في دعم الشّعب الجزائري الشّقيق أثناء الثّورة، ففيها كان مركز قيادة الأركان لجيش التّحرير الجزائري بإشراف زعماء وطنيّين مثل هواري بومدين والشّادلي بن جديد.
كما أنّ غارالدماء استضافت نحو 88 ألف لاجئ بالإضافة إلى ثكنات تدريب ومخازن أسلحة، ومنها كان يتم تمرير الأسلحة والذخيرة إلى المناطق الدّاخلية خاصة إلى الولايتين الثانية والثالثة بهدف عبور خط "شال وموريس" المفخخ. وكانت النّتيجة أن تمّ تتبع القيادات وقصف الأراضي التّونسية و تحديدًا منطقة الزّيتون، في مشهد تكرّرت من خلاله أحداث ساقية سيدي يوسف أين تمازجت الدماء التّونسية والجزائرية.